خواطر بلال-المحرر
تُعدُّ التربية ، أولى العمليات البشرية ، ذات الطابع الإجتماعي ، و الشائك ، في بناء الشخصية لدى الناشئة على مر الزمان.
و لقد أولت مُختلف الشرائع السماوية ، و على رأسها الإسلام ، التربية السليمة ، جُل عنايتها ، إذ هي أداة بناء الشخصية الإنسانية ، و التي عليها مناط التكليف عند البلوغ.
و لقد عُني العرب المسلمون ، بالتربية منذ فجر الإسلام ، فقد أفرد المُستشرق جوليان ربيرا ، العام 1858-1934 ،كتاباً أسماه التربية عند المسلمين في الأندلس.
و عن عبدالله بن عمر (ر) ، عن النبي (ص) ، قال (( ألا كُلُّكُم رَاعٍ ، و كلكم مسئُولٌ عن رعيته ... و الرجلُ راعٍ على أهل بيته و هو مسئولٌ عن رعيته)).
و تبعاً لذالك جاء الإهتمام ، بالتربية و أدواتها و تقنياتها ، و أُنشئت الكُليات و الأقسام الجامعيّة ، في العالم ، إيماناً بأهمية التربية ، في بناء الحضارة و المُجتمع ، إذ هي تتعامل مع أهم مادة فيه و هم الأطفال شبابُ الغد بتحدياته و طموحاته المتباينة.
و تقول الكاتبة رقية بنت محمد المحارب ، أن القدوة ، لها مبلغ الأثر في تعليم المُتلقي ، إذ يرى نموذجاً حياً و واقعياً أمامه ، فالأفعال أصدق أنباءٍ من الكُتب.
و تجمع الدراسات التربوية و النفسية و الإجتماعية ، على أن القدوة الحسنة ، أهم أدوات صياغة شخصية الإنسان بمختلف الأعمار ، و لذلك السبب ، إهتم أهل الشريعة الإسلامية بسيرة صاحب الرسالة الرسول محمد "ص"، و إهتمت الدول بوضع برامج و سياسات المؤسسات التنشيئية ، إبتدائاً من الأسرة ، و أنتهاءاً بالمدرسة و الإعلام و دور العبادة و الأندية و الأحزاب و مؤسسات المجتمع المدني و الشارع العام.
و من أولى مراحل التربية أهمية هي مرحلة الطفولة المبكرة ، و التي يتلقى فيها الطفل من أبويه ، و أقربائه ، أبجديات الحياة الإجتماعية و الثقافية ، فيتعلم سلوكيات الطعام و الشراب و الجلوس و الكلام و التفكير و العمل و الطموح و الإتصال من محيطه بالمشاهدة و التعلم المباشر.
و عليه فإنه يتعلم الكذب عندما يرى والده يكذب ، و يتعلم الإزدواجية في القول و الفعل عندما يرى قولاً يخالف فعلاً من أبويه ، و يحتار عندما يرى سلوكيين متضادين بين أبويه.
و من أهم الأخطاء الشائعة في البيوت أثناء قيام الأب و الأم بتربية الابناء ، في نهيهم عن سلوك ثم الإتيان به على مرأى و مسمع الطفل ،كأن ينهيه عن التدخين ، ثم يشرع أمامه بالتدخين.
و كم سمعنا أن طفلاً يلفظ كلمات نابية ، و عندما نبحث في أصل المشكلة ، نجد العطب و آس المشكلة في كلام الأبوين أو الأقارب.
و هذا يستوجب تغيير أنماط حياة الأسر ، حتى نحسن من تربية الأبناء على الفضيلة و اللسان النظيف و الإبتعاد بهم عن التشوه و التلوث السمعي اللغوي و الألفاظي الذي بتنا نعيشه في مجتمعنا الأردني و العربي عموماً ،رغم أن الثقافة المكتوبة هي الثقافة الإسلامية المناوئة للتفحش بالقول و السلوك.
و عظمة القدوة هي أن يحذر الأبوين من مصاحبة أينائهم أهل السوء و الفحش من القول و العمل ، و الرأب بهم عن مكامن الخلل و محطات الزلل ، و رفاق السوء ، فهم أقوى الأدوات في إنحراف الأبناء عن الجادة ، فكم تعلم أبنٌ إنحرافاً من جارٍ فاحش الخلق و الفعل فغدا إبناً مُنحرفاً ، بعيداً عن العوائد و المألوفات.
و لا يكون ذالك إلا بالقدوة و تخير الأفعال و الأقوال أمام أطفالنا ، و تحسس الزلات و الكبوات ، و الإبتعاد عنها و عن مصادرها المشوبة و المثلوبة.