خواطر بلال-المحرر
أمر الله - عز و جل - ، عبادهُ في تأدية الزكاة ، في مُناسباتٍ شتى ، منها قوله (( و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و إركعوا مع الراكعين)) ، و قال (( و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)) ، و قال الرسول - ص - ، (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى و السهر).
و الدارس إلى تلك النصوص ، يستشف أحد أهم مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء ، و هو إشاعة الخير و الفضيلة في المُجتمع المُسلم ، ضمن نظام راسخ من التكافل الإجتماعي ، و الذي يُغسل القلوب ، و يُطفئ نيران الأحقاد ، و يروض النفس البشرية على حُب الغير و السعي في الإحسان إليه ، بما يدفع لإستقامة الحياة الاجتماعية و إستقرارها ، و ذيوع السلم الأهلي فيها.
و الناظر للمشاكل الاجتماعية الإقتصادية ، يرى أن النظم الإقتصادية الإشتراكية و الرأسمالية و إقتصادات السوق المفتوح ، لم تفلح بخلق حلول للمشاكل البشرية ، بل أنها عززت من تعمق حالة التمايز بين الفقراء و الأغنياء ، و زادت الجوع و التجبر بما يرتبط فيه من حروب و كوارث المجاعة ، و تتهم تلك النظم الإقتصادية بقتل الإنسان من خلال تجويعه و حرمانه من أبسط مقومات الحياة الفُضلى.
و نرى أن تلك النُظم ، إرتكبت تلك الخطايا نتيجة تقديمها المادة على الإنسان ، و الفرد على الجماعة ، في حين يحث الدين الإسلامي العظيم أتباعه على تقديم الزكاة و الصدقات ، ليس منةً بل حاجة للمُزكي قبل المنتفع بالزكاة ، كي يكسب رضا الله ، و توفيقه في الدارين ، مما يعزز أواصر الألفة في المُجتمع ، و يعيد توزيع الثروة في السوق ، و لا يحصر المال بيد فئة قليلة تستأثر بأنصبة البشر من الطعام و الشراب و الكساء.
و يعزز نظام الزكاة الشرعي ، روح التكافل و الشعور بالتضامن في المُجتمع ، بما يقوي و يُمتن المُجتمع ، و يجعله أكثرَ قدرةً على مواجهة التحديات التي تُجابهه في هذا الزمن.
و تُعد الزكاة ، أداة من أدوات بناء المُجتمع ، بما يرتبط في الزكاة من قيم التآخي و التكافل و الرحمة و الثقة و الأمان بين الناس ، فيبتعد الفقراء عن إرتكاب الجرائم لأن إخوتهم في المُجتمع يقدمون لهم ما يسد حاجتهم ،و يوفر لهم سبل الرزق الحلال.
و لا يلجأ السارق الى السرقة عندما يكون شبعاناً ، و لا الزاني عندما يزني ، و لا المُنحرف ، و لا القاتل ، فجُل المشاكل التي نراها في مُجتمعاتنا البشرية اليوم هي من جُملة نتائج قيم الرأسمالية المتوحشة ، و التي تقوم على حب المادة و الذات ، و تقديس المال على حساب قيم الخير و التكافل.
و تخلق الزكاة حالةً من المساواة بين البشر ، تبقي مشاعر الكُبر و الغرور و الأحقاد الطبقية مختفية لا تذكر.
و تدفع الزكاة المجتمع بالبحث عن السمو بالبناء و الرقي بالعلم و التحديث و التطوير بعدما يطمئن أبناء المجتمع على آقواتهم و أمنهم و إستقرارهم ، مما يُعزز قوة المجتمع أمام الأعداء.
و تمنح الزكاة ، فرصة لتسريع وتيرة التنمية الاجتماعية بكافة أصنافها ، خاصةً و أن الجميع يثق بأن مكتسبات التنمية ستطاله بصورة أو أخرى ، فيحرص على المحافظة على المال العام ، و لا يعتدي عليه ، و يعزز ذالك من متانة البناء الإجتماعي ، و يحقق وصف الرسول - ص - للمجتمع المسلم بالبنيان المرصوص.
.