خواطر بلال-المحرر
شَكل التطوّر الاجتماعي ، المُصاحب للتغير الثقافي ، في المُجتمع الأردني ، تطوراً في نظرةِ أبناء المُجتمع للكثير من الأمور ، و منها الزواج ، فتغيرت تبعاً لذلك شكل الزواج و مُصاحباته عبر مراحل التطور التي مر فيها المُجتمع ما بين العيش في البادية ، و انتهاءً بالمدنية الحديثة ، و إن بقيت بعض رواسب البادية الثقافية في المُجتمع المدني الحديث.
و ما يدعوا للحُزنِ فعلاً ، أن التطور في شكل و مضامين الزواج ، لم يكن بنفس وتيرة التحول الاقتصادي و الاجتماعي ، فباتت الفجوة ظاهرة بين متطلبات الزواج "الشاقة" ، و الطاردة في آن ، و واقع أبناء المجتمع المادي الصعب.
و إن تغيرت وجهت نظر البعض لفكرة السترة ، و تقديم المادة عليها ، فإن الزواج بات مُكلفاً ليرضي مُجاملةً مطاليب أهل الزوجة و الزوجة "المُستقبلية" ، و ليرضي أيضاً العادة و المألوف التقليدي غير المنسجم مع طبيعة الحياة المادية الجديدة ، و بمزيدٍ من الحياء الاجتماعي ، بات الشّباب يعزفون عن الزواج هرباً من طرق الأبواب و محاولة التوصل إلى تفاهمات على شروط مجزية في عقد الزواج لحياةٍ زوجية ناجحة.
و الزواج "عقد" ، كما ينص الدين الإسلامي على ذلك ، مما يستوجب شروط العقد من شهادة و إشهار و شروط على "طرفي" العلاقة ، و شروطٌ جزائية أيضاً.
و على الفتاة و الشّاب عند الإقدام على التخطيط لبناء علاقة زوجية ، التركيز على منظومة القيم و الطبائع الناظمة لكُلٍ منهما ، ثم تيسير الأمور المادية فالمرأةُ لم يشرع لها الإسلام المهر لتجور فيه على شريك حياتها الرجل ، و لا كونها "سلعة" لها ثمن ، سواء مؤجله أو مؤخره.
فحتى المؤخر و هو دين في ذمة الرجل يدفع بعد الزواج كدين مُستحق في ذمة الرجل للمرأة و لا يرتبط بالطلاق ، فهو يجوز أن يمنح من قبل الرجل كأي دين عادي ، على حياة عين الرجل و دون حدوث إنفصال حسب رأي علماء الشريعة.
و هذا لا يهمنا في هذه المادة ، التي تعالج شروط الزواج ، و ربما نفصل في فقه المهر يوماً ما في القسم المُختص بالشريعة في هذه المدونة المتواضعة.
و لكن على الرجل و الفتاة بدعمٍ من أسرتيهما ، التوصل إلى تفاهمات و تقاربات متناسقة مع الوضع المادي ، و عدم الإلتجاء للإسراف بالمظاهر من حفلات لا داعٍ لها ، و لا "ذهب" ليس شرطاً ثابتاً من شروط العقد ، فالذهب و الحفلة و التجمعات الكبيرة وجدت في سياقات اجتماعية مُغايرة لما نحن فيه ، كان النقوط فيه لا يكلف النفس مشقة ، و لا القِّرى ، و العونة كانت سمت المجتمع ، و الدخل أوفر ، في حين باتت مصادر الدخل اليوم ضيقة أمام الشّباب مما يستوجب معه تفاهمات مُختلفة تحفظ أهم أركان الزواج ، و لا تبحث خلف القشور الباذخة.
فأي فتاةٍ تبحث عن رجل يصونها ، و يحفظُ كرامتها ، و يحميها من غوائل الحياة ، و ينفق عليها بالمعروف ، فيقيها شر السؤال ، و يجعلها قادرة على الشعور بالأمن في ظل رجل يريد من المرأة أن تكون له عوناً في الحياة و أمينةً على أسراره و زلاته ، و أن يكونا مُتنفسين لبعضهما البعض يتحاوران في شؤون حياتهما و تكون الثقة هي السائدة بينهما ، فلا يدخل الشكل حياتهما فيحولها جحيماً لا يُطاق.
و كما يفترض فأن الأسرتين يحتاجان للإطمئنان على مُستقبل أبنائهما ، و مدى إنسجامهما فيما بينهما ، و إستقرارهما معاً ، و هذا المهم أن يتم البحث عنه و تركيز الحوار عنه قُبيل عقد القران.
فلا يعقل أن يكون الذهب و المهر هدفاً للزواج ، إذ انه يتحول صفقة تجارية المرأة فيه سلعة ، و هل تقبل المرأة / الأسرة هنا أن تتحول "بنتهم"إلى سلعة؟!
و الزواج عندما يكون تجارة ، فإنه سيكون فاشلاً و بارداً ، بينما عندما يكون مبني على شروط التفاهم و الإنسجام و الأخلاق فيكون زواجاً صحيحاً هادفاً لحياةٍ فُضلى هي غاية الزواج الشرعي ، فالله لم يشرع الزواج للمهر و إنما للسكينة و المودة و الرحمة بين الزوجين ، فلذالك طالب الرسول (ص) بتقليص المهور إلى أبعد الحدود ، و التشديد في تخير الزوجين كل منهما الآخر "و أظفر بذات الدين تربت يداك" ، فالقيم و الأخلاق في الأسرة الوليدة أهم من المال و الذهب فالزواج هو حياة ، و لا بد أن تبذل جهود الجميع في بناء البناء بصورة صحيحة حتى يستمر و إلا فأنه قد يكون بناء مُهدد بالسقوط ، وقتها ما فائدة ما أنفق فيه و ما سيُنفق في سبيل هدمه.
الزواج ينتج عنه أبناء بحاجة لرعاية والدين "أب و أم" ، فعندما تكون الأساسات قويمة سليمة فلن تكون الثمار إلا طيبة زكيةً.
و من هُنا يجب على المجتمع ، و خاصةً الآُسر الأردنية ، التحرر من قيم مظاهر الزواج المتعارف عليه و خاصةً المهور و المراسم غير الضرورية ، و إستبدالها بتفاهمات تُحقق الغاية من الزواج وهو الإستقرار و تنسجم مع الشريعة الإسلامية ، و يحفظُ البناءمن عوامل الهدم ، و يحفز الشّباب للإقبال على الزواج.
و هناك مُبادرات كثيرة ، لبعض ذوي الألباب العظيمة في المجتمع رويت و تروى ، لتكون نماذج واقعية تُحاكى ، فهذا من لا يطلب مهراً معجلاً و أخرً يجعل المهر في أضيق الحدود بما يتوائم و حالة المُقبل على الزواج.