خواطر بلال-المحرر
تتميزُ المُجتمعات البشرية ، بتنوع ثقافاتها ، تبعًا لتنوع البيئات ، و الموروثات ، و النُظم الحياتيّة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية الناظمة لها ؛ بما ينعكس على أساليب تفكير و تصرفات تلك المُجتمعات ، بما يثري التنوع الكوني البشري.
و يمتاز المُجتمع الأردني ، جريًا على نظرائه من مُجتمعاتٍ بشرية ، بهويةٍ شخصيةٍ مُتميزة ، تعكس التطور الحضاري ، الذي عاشه الأردن ،كجغرافيا ذات تأريخ استيطان بشري عميق ، يعود إلى أزمنةٍ غابرة.
إذ يتكون المُجتمع الأردني ، من البادية و الريف و الحضر و المُخيم ، و لِكُلٍ منها ثقافة مُغايرة ، ساهمت في كُليتها بعملية الإثراء و الإغناء الحضاري والثقافي للمملكة ، و عزز من صورة الحياة الثقافية الأردنية ، و جعل منها نموذجاً مُميزاً ، و ساهم في دعم عجلة الحراك الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي ، على مدى عقود عُمر الدولة الأردنية الحديثة.
و صاحب الهجرات البشرية ، منذ فجر التأريخ البشري ، تطوير الحياة الاقتصادية و الثقافية في منطقة البادية العربية و البحر الأحمر و الصحراء ، و مرتفعات حوران ، و الأغوار ، و التي تعتبر إمتداد الدولة الأردنية الحديثة جغرافياً و سُكانيًّا.
و أُشتهرت المنطقة ، بتنوع مناشط الحراك الاقتصادي، و الذي كان من أبرزه الرعي و الزراعة و التجارة بالاستفادة من الطريق الروماني القديم و طريق الحج الشامي و سكة حديد الحجاز.
و شكلت الثورة العربية الكُبرى ، في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين 1916 ، حدثًا سياسياً هاماً ، أعاد صياغة حدود المنطقة و ديموجرافيتها ، و أضفت لها غناءً ثقافياً ، و ساهم بالنهضة العربية الحديثة ، و التي شكلت اللبنة الأساس لظهور مجتمع الوطن العربي ذات الخصائص المشتركة ، و متعدد الأيديولوجيات الفكرية.
و كما كان المُجتمع الأردني ، الوريث الشرعي لقيم الثورة العربية الكُبرى ، و رسالة القومية و التحرر العربيين ، فإن ذالك ساهم في تدفق الهجرات من المناطق العربية المحيطة له ، مما أثر في عجلة الحراك الثقافي و أدخل في المنطقة ثقافات عربية جديدة ، ساهمت في إعادة تشكيل المُجتمع بعدما كان يعيش على نمط البداوة و الفلاحة و التجارة ، فظهرت الصناعات الخفيفة و الثقيلة ، و زاد التنوع الغذائي في المنطقة ، مع دخول أصناف الغذاء الفلسطيني و الشامي ، و الذي برع فيه المهاجرون من تلك البقاع ، و ساهم كُل ذالك في تشكيل هوية المملكة الغذائية ، و التي عكست تنوع الذائقة الغذائية و الثقافية للسكان.
و لا يمكن أن نغفل دور الحضارات الغابرة ، في تشكيل الهوية الحضارية و العمائرية للمنطقة ، فقد ساهم الرومان و الأنباط و الحضارة الاسلامية و الدولة العثمانية و الدولة الحديثة في إغناء فنون العمارة المحلية ، فقد أشتهرت مواقع أردنية ضمن حلف الديكابوليس الروماني ، و إرتبطت البتراء جنوب المملكة في الحضارة النبطية العربية ، بما امتازت فيه من قوة و تنوع و صمود دام 6 قرون ميلادية ، كانت حُبلى بالصراعات و التغييرات الجيوسياسية آنذاك.
و ساهم المناخ المعتدل في المنطقة في تبكير عملية الاستيطان البشري ، و إن كانت سنوات الجفاف سبباً طبيعياً في تغير بعض أوجه الحياة الاقتصادية في المنطقة ، و خاصة في العزوف عن الزراعة و هجرة الزراعة الى قطاعات أكثر آماناً من مثل الوظائف الخدمية و المهنية و الجندية.
و تستمر المنطقة التي تحتلها الأن المملكة في الإزدهار و التطور ، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي و ثرواتها المعدنية المختلفة و فرص وجود الغاز و النفط و الصخر الزيتي في بعض أجزاءها حيثُ تبذل وزارة الطاقة جهوداً في استكشاف باطن الأرض مما يحفز فرص النمو الاقتصادي مُستقبلاً في المنطقة.
و تُحرز المنطقة نجاحات في مجالات إقتصادية واعدة تتناسب و متطلبات القرن الحادي و العشرين ، إذ تضم فروع اقليمية لأكبر الشركات التقنية في العالم من مثل مايكروسوفت و هواوي و غيرها.
و نجحت الدولة الحديثة ، في تجنيب المنطقة ، الصراعات الاقليمية ، و التغيرات الدامية في المحيط خاصةً في العراق و سورية ، مما أكسبها مُناخاً استثمارياً أمناً ، عزز من فرص نمو الحراك الاقتصادي.