خواطر بلال-المحرر
شكل مطلع أذار من العام الجاري، نُقطةَ تحولٍ في تأريخ الصراع بيّن الكُتلتين الشرقية والغربية، بُعيد إعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلاده بإستقلال الإنفصاليين شرق أوكرانيا، وضم الإقليمين المُنفصلين في وقتٍ لاحق من هذا العام إلى بلاده، بعد إستفتاء شعبي، وصفه البعض من المُراقبين أنه إستفتاء صوري.
فيما خاضت أوكرانيا حرباً لمواجهة الغُزاة الروس، إلى جانب دعم عسكريٍ من قبل الولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي، كلف العالم الدخول في حربٍ باردة تُعيد للأذهان تلك الحرب التي أرهقت العالم حتى إندثار الإتحاد السوفيتي مطلع التسعينات من القرن الفائت.
وفي حسابات العسكريين خلال المرحلة الأولى من إنطلاق الحرب، كانت الترجيحات في سقوط أوكرانيا، تطغى على توقعات المحللين، بيّد أن الروس عجزوا عن فرض السيطرة، ونجح الأوكران في إثبات قدرتهم على الدفاع عن وطنهم ضد الغزاة.
فيما تآثر الإقتصاد العالمي منذ بدء الغزو، حيث تأرجحت أسعار المواد الغذائية بيّن الإرتفاع والهبوط وخاصة الحبوب والزيوت النباتية، إلى جانب الطاقة بشقيها الغاز والنفط.
ونجحت تركيا في لعبِ دورٍ حاسم في التوصل لإتفاق يقضي بنقل الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية لمنع حدوث مجاعاتٍ في العالم، بيد أن التضخم وأسعار الفائدة الأمريكية وعدم قُدرة الأوروبيين على تعويض الطاقة الروسية رغم محاولاتها اللجوء إلى الشرق الأوسط وإلى البلدان العربية وضغطها إلى جانب الولايات المتحدة في سبيل تحقيق إستقرار إمدادات الطاقة منها، وكانت إتفاقية ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان أحد نتائج هذه الحاجة لم تفلح في درء شبح البرد القارس الذي ينتظر الأوروبيين الشتاء الحالي.
وإلى جانب الدعم العسكري غير المُباشر، أبقت الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الخيار العسكري المُباشر مُحيداً وسط تحذيراتٍ مُتبادلة من إندلاع حربٍ عالمية ثالثة بين الكُتلتين الشرقية والغربية بزعامة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ومن منظور روسيا كانت التخوفات من تمدد الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو سبباً في نشوء الحرب، والتي نحت نحوها كُلٍ من السويد وفنلندا، والتي إصطدمتا مع تركيا بذريعة إتهام الأخيرة لهما بدعم جهات تعدها تركيا "إرهابية"، في حين لم تكن الحدة الروسية في التعامل معهما كما تعاملت مع جارتها أوكرانيا.
وواصلت دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فرض العقوبات على روسيا في محاولةٍ يبدو أنها بائسة لثنيها عن المُضي قُدماً في الحرب ضد أوكرانيا.
وتبادلت الولايات المتحدة وروسيا، الإتهامات بإحتمالية اللجوء إلى السلاح النووي في أوكرانيا، أو الأسلحة البيولوجية، مما عزز من مخاوف العالم تجاه إندلاع صدام نووي بين القُطبين الروسي والأمريكي وحلفائهما.
فيما تواصل الأطراف الدولية التوصل إلى صيغة توافقية للإتفاق على السلام بين أطراف النزاع، تتهم الأخيرة بعضها البعض وحلفائها في تقويض فرص الجلوس على طاولة المفاوضات، وتدور الخلافات حول إصرار روسيا على إنضمام شرق أوكرانيا إليها، وعدم دخول أوكرانيا حلف الناتو، ووقف الدعم الغربي لأوكرانيا، ترى الأخيرة في ضرورة كف روسيا عن التدخل في الشؤون الداخلية ومغادرة الأراضي الأوكرانية المُضمة حديثاً سبيلاً أوحد للسلام.
وتقاذفت كُلٍ من روسيا والولايات المتحدة، الإتهامات حول التأريخ السيء للعسكريين من كلا البلدين، ففيما إتهمت الولايات المتحدة روسيا بإرتكاب إبادة جماعية، فإن روسيا بدورها إتهمت الولايات المتحدة بشيء مماثل، وأضافت أنها تلجأ لإستخدام تنظيم داعش الإرهابي في أوكرانيا.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة اليوم الوطني، أن الحرب لم يكن من الممكن تجنبها، فيما قادت الظروف الإقتصادية العالمية المصاحبة للحرب الروسية-الأوكرانية، إلى سقوط رئيس حكومة سريلانكا بعد إعلان الجكومة إفلاس البلاد.
ومع إقتراب الموعد الذي حددته دول الإتحاد الأوروبي لفرض حظر شامل على النفط الروسي، ذكرت تقارير بتطلع مصافي البترول العالمية للشرق الأوسط كحلٍ بديل لمواجهة تعاضم أزمة الطاقة المفتعلة كما الغذاء حسب وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وواصلت روسيا إستهداف البُنى التحتية الأوكرانية، في محاولة للضغط على فولودمير زيلنسكي للرضوخ لشروط روسيا، وعلى صعيدٍ مُتصل، عملت روسيا على بناء تحالفات إقتصادية وسياسية وعسكرية مع الصين وإيران وأفغانستان، فيما عرضت التوسط لحل الأزمة بين إيران والسعودية بعد أشهر من برود المحادثات التي إستضافتها العراق العام الجاري.
وقادت الحرب الروسية-الأوكرانية كُلٍ من رئيس الوزراء البريطاني جونسون وليز تراس إلى التخلي عن منصبيهما خلال عام واحد، في حين يحاول رئيس الوزراء البريطاني الحالي ريشي سوناك تلافي أخطاء سلفيه جونسون وتراس، وسط ظروف إقتصادية مُعقدة وصعبة باتت تضرب القارة العجوز بعدما تراجع قيمة اليورو أمام الدولار إلى أقل من 1 دولار لأول مرة منذ عقدين على الأقل.
وفيما تستشعر أوكرانيا، التململ الأوروبي من مواصلة الدعم لها، أعلنت أوكرانيا مواجهتها لرواج تجارة السلاح في العاصمة كييف بصورةٍ غير شرعية وفق بيانات إستخبارية.
فيما إندلعت إحتجاجات شعبية على الأوضاع المعاشية الصعبة نتيجة آثار الحرب في العديد من الدول حول العالم، في آسيا وإفريقيا وأوروبا التي شهدت أكثر الموجات الإحتجاجية زخماً في فرنسا وبريطانيا.
فيما واجه الإقتصاد الأمريكي مخاطر الركود منذ بداية العام مُعززاً بتنامي أسعار الطاقة والغذاء وأزمات الحليب وغيرها، الأمر الذي فاقم من تصاعد وتيرة الفائدة لتشجيع الناس على الإدخار بدلاً من الإنفاق.
فيما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن بلاده تعمل مع شركائها على إضعاف اليورو والدولار في التعاملات التجارية بيّن الدول.
في حين واصلت روسيا خفض معدلات الفائدة في البلاد، وذلك بهدف تحويل أنظار المُستثمرين لضخ الأموال في إستثمارات ومُجابهة معدلات البطالة التي تراجعت إلى مستويات قياسية أمام إرتفاعها في الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.
وأتت جولة وزير خارجية سيرغي لافروف في بلدان القارة الإفريقية والشرق أوسطية، لتوجه رسالة مفادها أن روسيا تملك علاقات طيبة مع العالم رغم محاولات إقصائها من المجتمع الدولي البائسة.
وعلى خلفية تنامي معدلات التضخم، إتخذت عدة بنوك مركزية ومنها إنجلترا قرارات مُتتالية في رفع أسعار الفائدة في محاولةٍ منها لكبح جماح التضخم.
فيما إتهمت وزارة الدفاع الروسية الولايات المُتحدة في إنتاج فيروس كورونا والذي آثر على العالم منذ أواخر العام 2019، وفق قائد قوات الحماية من الأسلحة الإشعاعية والكيماوية والبيولوجية في الوزارة السيد إيغور كيريلوف.
فيما وجهت روسيا أغسطس الماضي أصابع الإتهام لأوكرانيا في قصفٍ إستهدف محطة زابورجيه النووية، والتي أشعلت مخاوف دولية من حدوث تسربٍ نووي كارثي.
وتهدد أزمة الطاقة الوحدة الأوروبية، بينما تحدثُ إنقسامات داخل دول الإتحاد حول آلية التعاطي مع القضية الأوكرانية، والإستعداد الأوروبي لضم أوكرانيا ضمن حلف الناتو العسكري.
وتوقع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر حدوثَ مواجهةٍ عسكرية بين الولايات المتحدة من جهة، وكُلٍ من الصين وروسيا من جهةٍ أخرى.
فيما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومسئولين روس آخرين إنهيار نظام القُطب الواحد الذي كانت تتزعمه حتى وقتٍ قريب الولايات المتحدة.
فيما دفعت روسيا، بتعزيز دورها بين الدول التي تشاطرها العداء للولايات المتحدة، أوتلك الطامحة للإستقلال عن المعسكر الغربي والمُحافظة على مبدأ عدم الإنحياز عبر تنشيطها مجموعة شنغهاي، والتي تتقاسم النفوذ فيها كُلٍ من روسيا والصين في آن واحد.
فيما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نية بلاده تعزيز الشراكة مع الصين في مواجهة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي الدائر في فلكها.
فيما أعلن بوتين بدوره سبتمبر الماضي التعبئة العسكرية الجزئية، وسط كرٍ وفر بين قوات بلاده والقوات الأوكرانية والتي إستعادة مؤخراً منطقة إستراتيجية كانت أعلنت روسيا ضمها لها مؤخراً، وهي مقاطعة خيرسون.
ووجه بوتين خلال إعلان ضم زابورجيه وخيرسون ودونباس، رسائل أكد فيها تمسك روسيا بتراثها السوفيتي أمام أطماع الغرب بتفكيك روسيا ومنذ العام 1991، وتحويل الجوار الروسي لدول متحاربة.
وتحت وطأة التداعيات الإقتصادية داخليًا، دفع 30 برلمانيًا من الحزب الديموقراطي الحاكم في الولايات المتحدة الشهر الماضي، بجلوس الرئيس الأمريكي جو بايدن على طاولةِ الحوّار مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتغيير إستراتيجية التعاطي مع الملف الأوكراني، في محاولةٍ إستباقية من الديموقراطيين لإستعادة مكانتهم بعدما تراجعت شعبية بايدن وفق أحدث إستطلاعات الرأي المحلية.
وتبقى مع مرور الوقت، إحتمالات الحرب مفتوحة، ويبقى العالم في مواجهة "صفائح ساخنة"، على خلفية تصاعد المشاعر اليمينية المتطرفة في العالم..