أخر الاخبار

التفكك الاسري..المخدرات والتقنية والصراع

 نحو أسرٍ آمنة من المُعكرات 




كتب بلال الذنيبات

في مواصلةٍ لما إختتطناه في المقال الفائت، نورد تالياً المُعالجات الممكنة للعوامل الثلاثة للتفكك الأسري والتي طرحناها سابقاً، منتهجين ما توافق عليه الباحثين والدارسين في حقل علم إجتماع الأسرة، ما أمكننا ذلك.

"التقنية..ادوات الرقابة الوالدية"

تتيح المتصفحات العالمية، عبر الإنترنت مثل غوغل والتطبيقات الإجتماعية مثل ميتا، خيارات الرقابة الوالدية، بغية رصد والتحكم في استخدام الأطفال للإنترنت، إلى حدٍ ما وهي طريقة مفيدة إلى حد معين لضبط المشاهد والسلوكات المكتسبة من شبكة الإنترنت والتطبيقات الإجتماعية.

إن لجوء الأم والأب لإكتساب المعرفة الرقمية باتت ضرورة ملحة، وممكنة للمساهمة في حماية أبنائنا من الفضاء الإلكتروني، إلى جانب الحوار، فالحوار ومهما كانت أدوات الرقابة الوالدية رقمياً متاحة، فإنها تتيح التعرف على أفكار الأبناء وتوجيهها وبناءها وإعادة ترميمها بما يخدم الأبناء في زمانهم الذين يعيشون فيه.

فالحوار الهادئ، والنصح والتشجيع على الإستثمار الإيجابي لتكنولوجيا المعلومات، باتت هي اليوم جزء مهم في أدبيات التربية، وحتى تستقيم التنشئة الرقمية لأبنائنا نحن بحاجة هنا لتكاتف جهود الأسرة ذاتها مع مؤسسات التنشئة ممثلة بالمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني، للوصول بهذا الجيل الذي وصفناه بالنت ديجتال إلى ثقافة رقمية آمنة، تعزز قدرة الجيل على مواجهة التيارات السلبية لهذا الفضاء، وتكتسب المفيد من الإيجابي منها.

فمشروع التربية الإعلامية مثلاً والتي تسعى المملكة الأردنية الهاشمية على الأخذ به وتعزيزه مشروع ريادي، وذا فائدة جمة على هذا الإتجاه، في حين يستوجب الظرف على القائمين بتنظيم الإتصال ممن أسندت إليهم أمانة التنشئة الإعلامية، إلى إدماج الرقمنة والتطبيقات الإجتماعية في قالب التربية الإعلامية، إعزازاً لقدرة الجيل على مواجهة تقنيات الهندسة الإجتماعية، والتي تلجأ إليها مصادر التخريب في الشبكة العنكبوتية، والتي توظف تقنيات علم النفس والإجتماع الإعلاميين في تقديم وجبة دسمة وشهية لمتلقين الهشين ثقافياً لتأثير على ثقافتهم، وتجعلهم مقلدين ومستهلكين لثقافة الموجه القابع في مكان لا ينتمي لثقافتنا بالضرورة.

"المخدرات..جهود الوقاية والمكافحة:دور الآباء والأمهات"

إلى جانب الجهود الرسمية، والتي تبذلها قواتنا المسلحة، وأجهزتنا الأمنية في مواجهة المخدرات، فإنَّ على الأسرة، الأب والأم، مسئوليةً جد شاقة في متابعة وحماية الأبناء من مخاطر الوقوع في براثن المخدرات، والتي تستهدف بنية مجتمعنا القائمة على الشّباب، عبر أساليب وحيائل مُختلفة.

إن الملاحظة شيء مهم لمعرفة ما إذ كان أبنك قد أبتُلي بالمخدرات، فهذه الأفة تبرز على السلوك رويدا رويدا على شكل  سلوكات غير معتادة من قبلهم كالشرود والإنزواء وتغير لون الشفاه أو الأصابع، والرائحة والقلق والسهر خارج المنزل أو بغرف مغلقة ليلاً، وسرعة الغضب غير المبرر، وفقدان شهية الطعام، وغيرها من الآثار الفسيولوجية والسلوكية التي تبدو على المتعاطي.

بيد أن الوقاية خيرٌ من رصد تلك التغيرات، فتوطيد العلاقة مع الإبن، ومناقشة همومه ومشاكله وتحدياته، وطموحاته، وتشجيعه على إستضافة أصدقاءه في البيت ومعرفة أصدقاءه وبيئاتهم وأسرهم وميولهم، على صعوبتها إجراءات مهمة لمواجهة العوامل المحتملة لوقوع الإبن في هذا المناخ، مناخ التعاطي والذي يرتكز على البيئة المحيطة والصحبة السيئة أكثر مما يتركز على  أي عوامل أخرى، مع عدم إغفال دور تقنية المعلومات والتي باتت تشكل دافعاً وحافزاً في أن واحد للإقدام على التعاطي.

فالتعامل مع الأبناء بالحوار وإشاعة المحبة والآمان في جو البيت وإظهار متانة العلاقة الأسرية أمام الأبناء، وعد عكس مشاكل الزوجين على الأبناء، تحميهم من التيارات السلبية والتي تبثها منصات التواصل الإجتماعية من سلبية ومحبطات تثير لدى الأبناء البحث عن الخلاص والسعادة والذي تستخدمه أدوات الترويج لجذب الناشئة لساحة تعاطي المخدرات.

"صراع الأجيال..الحوار والقراءة وعدم التعصب والتفهم حلول سحرية"

يواجه الأباء والأمهات نتيجة تسارع وتيرة التغير الثقافي بين جيلهم وأجيال أبنائهم المتعاقبة، تسارعاً في التكوين الثقافي والمستجدات الثقافية التي تعترض طريق أبنائهم، ليحول التغير دون قدرتهم بالطرق التقليدية على مساعدة الأبناء في التعامل مع تيارات التغير الثقافي، في حين يفشل الأبناء أحياناً في تمثل الثقافة السوية في هذه الحياة وهي ثقافة البناء والتطور وعدم التقليد والمحاكاة بلا شخصية.

إن إقبال الآبوين على القراءة وإنتهاج الحوار وتفهم حاجات الأبناء هي أكثر السُبل التي أرى أنها من الممكن أن تساعد في بناء ثقافة شخصية قويمة تزاوج بين متطلبات الحياة اليومية المعاشة، والثورة الثقافية التي تتأجج في الوقت الراهن عبر وسائط التثاقف والتي باتت توازي حاجات الطعام والشراب الأساسيتين في حياة الناس، بعدما كانت حتى وقت قريب فئوية ومحصورة في أروقة طبقات بعينها.

والتفاهم العقلاني، وغير المتعصب، هو أداة اليوم في يد الأبوين لمواجهة الحاجات والأفكار والطموحات المتوالدة لدى الأبناء والتي لم تكن حتى وقت قريب مُتخيلة لدى الأباء، فمثلاً ثقافة التصوير باتت شائعة، في حين وحتى وقت قريب لم تكن لدى الأباء ما بين 2000-2010 مشكلة إسمها الخصوصية، وهذه لوحدها بحاجة لمادة مقالية أكثر توسعاً من أن تقتصر على مساحة ضيقة هنا.

وعدم التعصب والتفاهم، لا يتحقق الا بتعلم الآباء وتشجيع الحوار ما بين الأباء أنفسهم والأمهات أنفسهن، حول التجارب والخبرات مع الأبناء وهي مسئولية يجب ألا تتجاهلها مؤسسات المجتمع المدني في جلساتها وإجتماعات منتسبيها، وحتى المؤسسات ذات الموظفين الكثر عليها مسئولية تنظيم جلسات لتبادل الخبرات والمعرفة إزاء كيفية التربية للأبناء.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-