في يوم الشجرة..الثقافة المجتمعية والرؤى
الملكية يُعززان القطاع الزراعي
كتب بلال الذنيبات
رافق تطور الحضارة الأردنية المُعاصرة، ميلاً سُكانياً للزراعة، منذ مطلع
القرن العشرين، حيثُ إرتبطت ظهور المُستقرات البشرية في مناطق البلقاء وحوران
الأردنية، ولواء الكرك التأريخي، بتطور الزراعة، حيث ساهم السُكان، ومن مختلف
أصولهم في بناء إقتصادات زراعية محلية، كانت الزراعة فيها المحدد الأول لأنماط
الإستهلاك والعيش في الأردن.
ولا زالت تحتفظ الذاكرة الشعبية المُجتمعية، بالعديد من المرويات إزاء
أدوار الفلاح المُستقر أردنيًا، حيثُ أن الفطور والغداء الشعبيان الأردنيان،
إلتصقا بطور الإستقرار الذي ظهر فيما بعد العام 1950 وإمتد حتى سبعينات القرن
الفائت قبل ظهور بوادر الطفرة الإقتصادية المستندة لإقتصادات النفط الخليجية
الناشئة آنذاك.
وكان للشعير والقمح والبرغل والزيتون وبعضاً من أصناف الفاكهة المزروعة
محلياً دوراً في تنويع الثقافة المطبخية الأردنية الناشئة آن إذ، بعد إنتقال الناس
من طور البداوة القائم على إقتصاد الثروة الحيوانية، فيما حدث تزاوج بين ثقافتي
الثروة الحيوانية والزراعية فيما بعد وتالياً مع الثقافة الرقمية التي نعيش.
فيما ساهمت الرؤى والمبادرات الملكية، والقوات المسلحة الأردنية-الجيش
العربي، في تعزيز وتنشيط وإعادة تصحيح مسار الإهتمام الشعبي بالزراعة كمصدر مُعزز
للأمن الوطني، تجددت أهميته إبان جائحة كورونا والتي ضربت أصقاع العالم مطلع العقد
الثالث من القرن الحاضر 2020-2022، والغزو الروسي لأوكرانيا المستمر منذ ما ينوف
عن عام.
وكانت الإستراتيجية الزراعية للأعوام حتى 2025، والمبادرات الملكية في
القُرى والبوادي لدعم إقامة المشاريع الزراعية، ورعاية القوات المسلحة-الجيش
العربي للمشاريع الزراعية في مختلف أنحاء المملكة، أذرع وطنية ساهمت في تعزيز
الأمن والإستقرار الغذائيان في مواجهة أزمة الغذاء والتي عانت منها دولاً عدة إبان
أزمتي جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي خضم التطور الحضري الذي تشهده المملكة، ظهرت مبادرات فردية زراعية ذات
قيمة منها الزراعة المائية وإستزراع أسطح المنازل والصحراء، وظهرت مبادرات زراعية
قيّمة تؤكد متانة حضور الشجرة والزراعة في الثقافة المجتمعية الأردنية إسوةً
بمثيلاتها من المستقرات البشرية المُختلفة التي نشأت بالبيئات الزراعية وشبه الزراعية.
ورغم تداعيات أزمات الجفاف التي تأثرت بها المملكة تأريخياً، بيد أن
التصميم على المحافظة على الإرث الزراعي ساهم إلى جانب الرعاية الملكية، والإشراف
العسكري مُمثلاً بالقوات المسلحة-الجيش العربي، في تشبث المزارعين في مزارعهم
وتطويرها ومواصلة مد السوق المحلي والإقليمي بالمنتجات الزراعية ذات السمعة الطيبة
والتي كان لها حضور تأريخي في كأس العالم 2022 والذي أقيم في دولة قطر الشقيقة.
لتبقى مناسبة الإحتفاء بالشجرة سنوياً، تُعني للفلاح الخير والسعادة
والبركة، كما هي أرض الأردن التي إحتضنت الشجرة منذ الأزل، وساهمت الشجرة في تشكل
الحضارات التي مرت عليها حتى اليوم.
حيث ساهمت الشجرة بما تحمل من رمزية وقيمة غذائية وإقتصادية هامة في نشأت
حضارات الأنباط وأدوم وكانت سبباً في أطماع الرومان وغيرهم إلى جانب جغرافية
المنطقة المتنوعة، والتي تمثل همزة وصل
ونقطة إلتقاء القارات القديمة "أسيا وإفريقيا وأوروبا".
ولا مندوحة من الإشارة هُنا إلى الإمكانات التي وفرتها القيادة الهاشمية
الفذة، ونعمة الإستقرار السياسي الذي نعيش به في وطننا، في جعل الأردن، ليس بيئة
زراعية فقط وبل وبيئة مشجعة وحافزة لنشوء الصناعة الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي
الإقليمي عبر توفير مساحة آمنة لحفظ النتاج الزراعي وإعادة توزيعه.
وإستداركاً لذلك فقد تجسد الوعي الملكي والرؤية الثاقبة، في إطلاق جلالة
الملك عبدالله الثاني، رؤيته في جعل الأردن مركزاً للتموين الغذائي العام 2020 بعد
تعرض مرفأ بيروت للإنفجار والذي كبد لبنان والعالم خسائر قيمة في وقتٍ كانت بلدان
العالم تبحث عن الغذاء لمواجهة النقص في سلاسل الإمداد الغذائي.
ختاماً..وفي ظل إحتفائنا بيوم الشجرة العالمي، يجب ألا ننسى تقديم العرفان
والإمتنان لأرواح أجدادنا الذين ساهموا في صناعة إرث الشجرة الأردنية المباركة
المضروب جذرها ثابتة في الأرض الشامخة في علياء سماء الوطن الأعز على الدوام.