أخر الاخبار

العدوى الإجتماعية..ظواهر انحراف متعددة

 


خواطر بلال-المحرر

عرفت المُجتمعات البشرية تأريخياً صنوفاً مُغايرة للمسالك المُنحرفة، ومن كافة فئات السُّكان العُمرية والثقافية والمادية، ففي حين تفشت السرقة والبغاء وتعاطي المخدرات في بيئات الفقر، فإن بيئات الرفاه عرفت جرائم الإختلاس والزنا والرشاوي، عدا عن تفشي جرائم القتل وغيرها من الجُنح والإنحرافات السلوكية.

وتعددت المدارس العلمية في تفسير السلوك المنحرف، حيث ظهرت مدارس تفسر الجريمة بطابع بيولوجي، وأخرى نفسي وإجتماعي وفسيولوجي عضوي، وإقتصادي، وهناك من تحدث عن دور الرفاق والعائلة في تشكيل السلوك المنحرف عن الشخص.

وفي مُجتمع تسوده وسائل الإعلام، وتقدم له وجبات منحرفة متعددة، عبر الدراما والأخبار، والمغريات التي تستثير الدوافع نحو الجريمة، فإن للمُحاكاة التي وضعها جبرائيل تارد وسماها بالتقليد، دوراً مؤثراً في تشكل السلوك المنحرف والجُرمي.

فسواءً البيئة الإجتماعية المحيطة بالفرد، أو المحتوى المنحرف المتاح عبر الفضائيات ونتفلكس ومواقع التواصل الإجتماعي، كلها عوامل تساعد الفرد على إقتراف الجريمة مُزينة له أحدث الخطط الجُرمية لضمان الإفلات من العقوبة الرسمية أو العرفية.

ويتأثر الإنسان بمحيطه الإجتماعي وإتصاله بهذا المحيط مكتسباً منه المعارف والخبرات والتجارب المفيدة كما المنحرفة، مما يترك له مجالاً واسعاً لإختيار السلوك الذي يرغب تعلمه وإنتهاجه، وخاصةً اننا في عصر الإتصال العالمي اللامحدود.

وبالتقليد والمحاكاة، تشكلت المُمارسات الإجتماعية على مر الزمان، وفي مجتمع السجن كذلك حذر تارد من أن يُعزز المُجرمين القُدامى خلفهم الجُدد، مما يستوجب على إدارات السجون فصل المجرمين بناءاً على الأسبقية ونوع الجريمة، منعاً لتحويل السجن بيئة لصناعة الإجرام بدلاً من الإصلاح.

ولا زالت الدراسات التي تتحدث عن دور وسائل الإعلام في تسويق السلوك المنحرف، شحيحة، إلا أن حوادث مثل قتل الفتيات والسطو على البنوك وإكتساب المعارف المنحرفة من اللعب كلها وقائع حدثت خلال السنوات الأخيرة، وتفاقمت بفضل جائحة كورونا مسالك منحرفة تقوم على التقليد في تعاطي المسكر والمخدرات والسرقة وغيرها في المجتمعات البشرية.

ورغم الجهود الرسمية في تطوير التشريعات العقابية، إلا أن تلك التشريعات، لا تواكب تسارع تطور تكنيكات الجريمة العصرية، والتي باتت تتخذ أساليب إفلات أكثر تقدماً على التشريعات، في ظل تنامي الدافع المادي نحو السلوك وضعف الوازع الداخلي وهشاشته بفعل تهميش بناء الوازع في مراحل التربية المختلفة سواء في البيت أو المدرسة أو حتى دور العبادة، والتي باتت مقتصرة على التعليب وصناعة المهرجين على مسرح الحياة، دون بذر بذور الخير وسقايتها بماء الإيمان والخوف من عقاب الله والضمير.

وتحدث الإسلام عن نظرية المحاكاة في الجريمة والإنحراف، فقد قال الله عز وجل في سورة لقمان: "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا".

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-