الصين وجدته
مصلحة في تعزيز النفوذ
إسرائيل أكبر الخاسرين
إيران تعزز سردية الدور التخريبي الأمريكي
السعودية تنوع خياراتها التحالفية بعد ضعف
الدور الأمريكي
العراق وعمان كانتا أوائل من زرع البذور
خواطر بلال-المحرر
مثلت العلاقات الاقتصادية نُقطة مشتركة، بيّن السعودية وإيران، وخصوصًا في
مجال إحتياطي الطاقة ضمن مظلة مجموعتي
أوبك، وأوبك+، إلى جانب التبادل التجاري بيّن البلدين، وتدفق الإيرانيين إلى
السعودية لأداء مناسك الحج والعمرة.
وبلغت قيمة التبادلات التجارية بيّن البلدين، 330 مليون دولار مطلع العام
2015م، قبل انقطاع تلك التبادلات نتيجة الأزمة السياسية بيّن البلدين، وفي حين
أفادت السعودية من تنامي أسعار الطاقة مؤخراً، فإن إيران تعاني جراء العقوبات
الاقتصادية المفروضة عليها، وكانت تعول على الإتفاق النووي مع الغرب، الأمر الذي
يجعل من الاستثمارات السعودية مصدرًا لتعزيز مكانة الريال الإيراني الذي تعرض خلال
السنوات الأخيرة إلى ضغوط كبيرة.
رغم ذلك، تبقى العقوبات الغربية، والتنافسية بيّن اقتصاد البلدين، والحاجة
الإيرانية لإصلاح التشريعات المتعلقة بالاستثمارات المُتأتية من القطاع الخاص، وفي
أذار الماضي، شهدت العاصمة الصينية بكيّن، محادثات ثلاثية جمعت الصين كوسيطٍ بيّن
السعودية وإيران، ونجم عنها صدور بيانٍ تضمن التفاهمات التي توصل لها وفدي البلدين
برئاسة السعودي مساعد العيبان والإيراني علي شمخاني، وتتلخص في إعادة العلاقات
الدبلوماسية بيّن البلدين.
ورغم كون الاتفاق لم يكن واضحًا على وجه الدقة، بيد أن البلدين توافقا وفق
البيان على إحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الخاصة، والترتيب لعقد
اجتماع بين وزراء خارجية البلدين لترتيب فتح السفارات في كلا العاصمتين، وتفعيل
اتفاق التعاون الأمني الموقع العام 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال
الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب العام
1998م.
ويفتح الاتفاق الباب على مصراعيه
للدبلوماسية الصينية في منطقة الشرق الأوسط تزامناً مع تصريحات أمريكية بالعلم المسبق
حيال التوافق، ويترك التساؤل حول الأسباب التي دفعت البلدين للتصالح مفتوحاً على
مختلف الإجابات.
وشكل الهجوم الذي تعرضت له محطات شركة أرامكو السعودية، نقطة تحول فاصلة،
بعدما كان الرد الأمريكي فاترًا، الأمر الذي دفع صانع القرار السعودي في البحث عن
شركاء أمنيين جُدد، فكانت الضالة موجودة في روسيا والصين، وتمثل المصالحة مع إيران
من وجهة نظر السعودية، تأكيداً سعودياً على جدية الدبلوماسية السعودية في البحث عن
شركاء أمنيين جُدد خاصة أن الصين وروسيا يحظيان بموقع عدائي مع الولايات المتحدة،
الأمر الذي يخرج السعودية من التقوقع على التحالف التقليدي مع الولايات المتحدة،
ويتجه نحو الصين التي نجحت في تحقيق الوساطة بينها وبين إيران، وكانت ضامناً قويًا
للإتفاق إلى جانب روسيا.
وترى إيران، في المصالحة مع العرب، تحركًا مثمراً في سبيل التفرغ لمواجهة
الخطرين الأمريكي والإسرائيلي، وينزع من الولايات المتحدة أسلحتها التقليدية في
مواجهة إيران، إلى جانب إزالة المبررات الدبلوماسية لإتفاقات إبراهام المشتركة
بيّن إسرائيل من جهة ودول عربية على رأسها الإمارات والبحرين والمغرب، إلى جانب
مواجهة طهران لموجة الإحتجاجات الشعبية التي أسبقت مقتل الشابة مهسا أميني،
وتحركها أيادي غربية، مُستغلة التحديات الاقتصادية في البلاد.
وترى إيران في التصالح مع السعودية، وفق ما يشير موقع "الجزيرة
نت"، سبيلاً للتخفيف من حدة العقوبات الغربية على الاقتصاد الإيراني، إلى
جانب تعزيز الدور الإيراني في استقرار أسعار الطاقة حيث شكل البلدين أكثر من ثلث احتياطي
الطاقة ضمن مجموعة أوبك.
بيد أن الصين، كانت أكبر المستفيدين من تلك المصالحة، حيث تمكنت بكين من
إحداث اختراق دبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب محاولاتها تعزيز موقعها
الاقتصادي فيه، وأظهرت الصين قدراتها الدبلوماسية في إحلال الأمن والسلام مستغلة
علاقتها الودية بيّن طرفي الخلاف، الأمر الذي يجعلها تنمي من قدرتها كلاعب دولي
هام على الساحة الدولية في تعزيز الأمن والاستقرار والتي تتقاعس عنه الولايات
المتحدة سواء لعدم القدرة أو الرغبة.
وتبغي الصين من وراء الوساطة، على ما يبدو تعزيز دورها في مجال الوساطة
الدولية، وخاصة في القضية الروسية-الأوكرانية، والتي تفجرت أذار من العام 2022،
وتأمين إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط، والتي لطالما كانت تحكم المصالح الصينية
في حراكها الدبلوماسي منذ زمن بعيد.
ولكن الصين، قطفت على ما يبدو ثمار ظروفٍ جيو سياسية كانت تغلي على قدرٍ
يعلو نارًا هادئة، كانت العراق وعُمان والسعودية وإيران تحضران له منذ العام
2021م، ففي سلطنة عمان، كانت مسقط تتدخل في تخفيف حدة التوتر على مدى السنوات
الأخيرة، بينما كانت العراق، واستناداً لمصلحتها في حفظ التوازن بين الشيعة
والسنة، تستضيف حوارات البلدين على الصعيد الأمني، حيث استضافت بغداد وحتى العام
2022م جولات حوار على المستوى الأمني بين البلدين.
فيما أرادت السعودية من الصين أن تكون ضامنًا للتوافق مستثمرة قوتها
المتنامية وتأثيرها الدبلوماسي، وحياديتها في صراعات المنطقة التقليدية، بالإضافة
لتنويع التحالفات بعيداً عن الحليف التقليدي الأمريكي، فيما رأت إيران في الوساطة
الصينية، مصلحة في تعزيز سرديتها السياسية وروايتها الإعلامية القائلة بمسئولية
الولايات المتحدة عن غياب الاستقرار عن المنطقة.
إلى ذلك تتوافق التفاهمات التي جرت على الأراضي الصينية، مع مبادئ السياسة
الصينية-العربية، العام 2016م، القائمة على الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة
الأراضي وعدم الاعتداء أو التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة
المتبادلة والتعايش السلمي، وترى الصين في سياسة خفض التصعيد التي تلعبها،
وترجمتها عبر هذا التوافق خدمة لمصلحتها في ديمومة عمل مبادرة الحزام والطريق،
الرامية بدورها لتعزيز حماية المصالح الاقتصادية للصين.
وتعي الصين الدور العسكري الذي تلعبه الولايات الأمريكية في المنطقة، إلا
أن واشنطن وفي ذات السياق باتت تشعر بالقلق من تنامي الدور الصيني في المنطقة،
والذي بدأ من البوابة الاقتصادية على وجه التحديد، وترجم حالياً إلى دورٍ سياسي
ودبلوماسي، لا يستبعد أن يتطور مستقبلاً على المستوى العسكري وبيع الأسلحة، خاصة
وأن الأسلحة الصينية أكثر رُخصاً إلى جانب عدم ممانعة الصين في نقل تكنولوجيا تطوير
الأسلحة إلى المنطقة إذ ما رغبت في ذلك على خلاف الولايات المتحدة التي تحتكر
المعرفة التكنولوجية الخاصة بأسلحتها.
فيما تبقى التدخلات الإيرانية في الإقليم، ووجود خلافات بين البلدين، لم
تظهر بوادر حلحلتها عشية الإتفاق، رغم الهدوء النسبي الذي يطغى على الساحة
اليمنية، فتاريخ العلاقات بين البلدين زاخرة بالتنافس الإقليمي والقطيعة المتقطعة
على الصعيد الزمني، الأمر الذي يعني أن الفهم الإستراتيجي لوصل العلاقات الدبلوماسية
بين البلدين من خلال استعادة فتح السفارات، لن تتجاوزه إلى تجميد ووقف التنافس
الإقليمي بين البلدين، ولا وقف الحوار الأمني السعودي الأمريكي حول الخطر
الإيراني.
وربما تدفع نجاح الوساطة الصينية بين الطرفين، إدارة جو بايدن لتسجيل اختراق
في مسألة الملف النووي الإيراني، على صعيد الإتفاق النووي مع إيران، رغم غرق
الإدارة الأمريكية وحتى مخمص القدمين بمسألة التضخم والديون التي باتت تهدد الجهاز
المصرفي الأمريكي.
وتعد إسرائيل، الخاسر الأكبر جراء الاتفاق، على صعيد ليس فقط توسيع رقعة
الدول المشاركة في تفاهمات التطبيع الإبراهيمية، وإنما على صعيد تطوير العلاقات مع
الدول العربية التي طبعت علاقتها مطلع 2020، بعد زوال المبرر الأكبر لتلك
التفاهمات.
تأريخياً، كانت الخلافات المذهبية والمصالح الاقتصادية هي المحرك الرئيس
للخلافات بين السعودية وإيران، إلى جانب شهية البلدين لتزعم المنطقة دينيًا، إذ
كانت إيران تمثل الإسلام الشيعي، وكانت السعودية بدورها تمثل الإسلام السُني على
الدوام.
وأعلنت طهران أيلول الماضي، تعيين علي رضا عنايتي سفيرًا لها في الرياض،
والذي يعد أحد خبراء إيران في العلاقات مع الخليج العربي، وشغل منصب مدير الدائرة
المعنية بشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية الإيرانية.
المراجع:
الجزيرة نت
المعرفة نت
مركز مالكوم كير كارنيغي للشرق الوسط.