خواطر بلال-المحرر
شكلت معركة بدر الكُبرى الفاصلة في التاريخ الإسلامي،
بيّن الحق والباطل، نُقطةَ تحولٍ في تاريخ الحركة البشرية في منطقة الجزيرة
العربية، فبعدما كانت السيوف تُشهر من أجل العشيرة والطعن، باتت سيوف أتباع محمد
"صل الله عليه وسلم"، تحمل في سناها رسالة الفرقان بين الحق والباطل.
وجمعت المعركة بيّن عبقرية محمد وإيمان القائد بنصر
الله، وكانت درساً عسكرياً في حُسن إدارة الصراع، سواء أكان الصراع عسكرياً أم
مدنياً تعالجُ فيه صنوف الحياة المدنبة المتعددة.
وشكل النداء القُرآني بالمُنادة بالمواجهة العسكرية،
بعدما كان المسلمون مأمورون بكف أيديهم عن القتال في بطن مكة، مُنطلقاً لمرحلة
المواجهة العسكرية بين أهل الحق والباطل، حيث سارع الرسول بعد هذا الإذن الرباني
المُباشر إلى الإعداد العملي للمواجهة المحتومة حيث بعض السرايا بما يشبه
الإنغماسيين الذين كانوا ينفذون مهام إستخبارية وهجومية في آن واحد بمعايير
ومصطلحات هذه الأيام في العلوم العسكرية.
فكانت السرايا والتي قادها حمزة بن عبد المطلب "سيف
البحر"، وأخرى بقيادة عبيدة بن الحارث بن المطلب وسعد بن أببي وقاص
"رابغ"، والأخيرة كانت بقيادة عبد الله بن جحش "نخلة".
وعندما تواردت المعلومات إلى الرسول، علم بأن أبو سفيان
يقود قافلة تجارية عائدة لتجار قريش قادمة من الشام، فإتخذ الرسول "ص"
إذ ذاك قرارًا بمهاجمة القافلة فتجهز لذلك، وإنتدب عدد من صحابته من الأنصار
والمهاجرين، بيد أن المعلومات التي وردت لأبي سفيان كانت حرية بأن يغير الأخير من
مجرى سير القافلة، وبعث إلى قريش يستصرخهم الدفاع عن أموالهم.
وشاءت الظروف، إلى جانب الإرادة الربانية، أن تكون بدر،
حيثُ سير قريش جيشاً قوامه ألف مُقاتل، ولعب أبي جهل دورًا في إبقاء شعلة الحماس
القُرشي في المواجهة العسكرية مشتعلة بعدما دب الخلاف بيّن صفوف على خلفية سريان
نبأ نجاة القافلة، وكان أبي جهل يطمح إلى كسر شوكة المسلمين، الأمر الذي لم يتم.
وإختار النبي محمد "ص"، سهل بدر ليكون موقعاً
للمعركة، حيثُ أخذ النبي بمشور الصحابي الحباب بن المنذر الذي أشار بسيطرة
المسلمين على مصادر المياه، كي يكون العطش سلاحًا في يد المسلمين ضد عدوهم، وقد
علم النبي بذلك القادة كيف أن المشورة والأخذ بآراء الجنود يكون سبيلاً لنجاح
النشاط العسكري.
ونجح المسلمون في المعركة، والتي وقعت في النصف الثاني
من شهر رمضان، حيثُ قتل 70 فارساً من قريش واسر 70 أخرون، الأمر الذي تحقق فيه
المسلمين إرتفاع مهابتهم بين القبائل، وكسرت فيها شوكة قريش بين العرب.
وتشير الوقائع التي صاحبت المعركة، إلى الوعي السياسي
الذي كان عليه النبي، وهو الذي يوحى إليه، حيثُ مارس ما يعادل الحرب النفسية،
والإستهداف لمفاصل العدو الحيوية وخاصة الاقتصادية منها، عندما نفذ الهجمات
المتكررة على القوافل التجارية لقريش، وكانت العمليات الاستخبارية والتخطيط لمكان
وزمان ومجريات المعركة كلها إشارات للقادة العسكريين في الميادين إلى أهمية
الإدارة في إنجاح المرام العسكري من المعركة.
إلى جانب ذلك، شرع النبي شرعة جديدة في التعامل مع
الأسرى، حيثُ عرض عليهم الفداء مقابل ممارستهم التعليم لأبناء المسلمين، الأمر
الذي يسبق قروناً شرعة حقوق الإنسان والتي تتغنى بها منظمات حقوق الإنسان اليوم.