أخر الاخبار

مدونة الأسرة المغاربية..بيّن الجذور المجتمعية والمستهدفات المتحققة

 



خواطر بلال-المحرر

تُشكل الأسرة، نواة المجتمعات البشرية، ولبنتها الأولى، تقوم بوظائف حساسة، تمُس المجتمع في بنيته، وحياته الحاضرة والمستقبلة، وتعددت الطروحات التشريعية والشرعية في آن واحد بالتعامل مع الأسرة في مختلف المجتمعات والشرائع السماوية والدنيوية.

وفي المملكة المغربية، والتي يمتاز نظام حكمها الهاشمي بالتوازن بين العصرنة والأصالة، سعت الأسرة الملكية المغربية، إلى جانب مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية منها في وضع التشريعات ذات المساس بالأسرة، في مختلف مراحل التطور الحضري التي شهدتها البلاد، وبما يعكس الروح الإسلامية للمملكة الهاشمية المغربية.

وعد الدستور المغربي العام 2011، الأسرة أساس المجتمع، على الحكومة واجب الحماية القانونية والإعتبارين القانوني والإجتماعي للطفولة بما يكفل المساواة بيّن الجنسين، مع كفالة حق التعليم لهم.

"الجذور التاريخية"

وكسائر البلدان العربية، وعقب التخلص من ربقة الإستعمار، وجدت المغرب نفسها أمام مسئولية صياغة قوانين تنظم الحياة المجتمعية، ما بعد الإستعمار، حيث كان الملك محمد الخامس، يسعى في سبيل استخراج قانون مختص بالأحوال الشخصية، العام 1957، ثم سار الملك الحسن الثاني على خُطى والده الراحل حيث تم تعديل مدونة الأحوال الشخصية العام 1993.

وكانت للجهود المدنية، والمتمثلة بالحركة النسوية، وردود فعل المحافظين الذين ناوئوا التعديلات، دوراً في دفع الملك العام 1992، في حصر تعديلات المدونة بيده، بدلاً من البرلمان والذي أثار طرح تعديلها العام 1991 عليه معارضة شديدة بفعل حراك اتحاد العمل النسائي، وشكل الملك الحسن الثاني على إثر تلك الحراكات لجنة هدفها تعديل المدونة، والتي حازت تعديلاتها المصادقة الملكية العام 1993.

فيما سارعت الحركة النسوية في البلاد، للجأر بشكواها من عدم مواتاة التعديلات لطموحاتها في تعزيز المساواة بيّن الجنسين وصون الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية، الأمر الذي جعل الملك محمد السادس يسعى للإستجابة لتلك المطاليب الشعبية.

"المرأة المغربية والتنمية"

إلى ذلك، شكلت خطة العمل الوطنية الرامية لإدماج المرأة في التنمية، والعائدة للسنة 1998، منعطفاً حاسماً في ظهور المدونة، حيث عملت منظمات حقوقية محلية إلى جانب البنك الدولي على صياغة مشروع خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة المغاربية في التنمية، والتي قُبلت بالجدل والخلاف بيّن الحركة النسوية من جهة المؤيدين، والقوى الإسلامية سواء وزارة الأوقاف أم المرجعيات العلمية والدينية الأخرى من وجهة المعارضين.

وفي مسعىً ملكيٍ لرأب الصدع في المجتمع المغربي، الناشئ عن تلك الجدالات، شكل الملك العام 2001 لجنة استشارية مكلفة بتعديل المدونة، والتي ركزت أساساً على تطوير القضاء الأسري، وتبسيط إجراءات التقاضي، وتحقيقاً لذلك سعت وزارة العدل لترجمة الرؤية الملكية،  عبر إعداد مقار لأقسام القضاء الأسري، وتكوين الجسم القضائي المتخصص بالأسرة، وإسناد مهمة التدريب للمعهد العالي للقضاء، حيث أستحدث فرعاً للقضاء الأسري.

فيما أتت المدونة في تعديلاتٍ جوهرية، العام 2023، حيث تمت تسميتها بمدونة الأسرة بدلاً من الأحوال الشخصية، تعزيزاً لمبدأ الشمولية في النظرة إلى مكونات الأسرة، وتحديد الفئات الخاضعة للمدونة، وتفعيل دور النيابة العامة في القضاء الأسري.

فيما عملت التعديلات الأخيرة، على تحديد تعريف الزواج، وتفصيل أحكام الخطبة، وتحديد سن الزواج عند الثامنة عشر سنة لكلا الجنسين، ومنح حق الولاية بالموافقة على الزواج للمرأة الراشدة، وتعريف المهر "الصداق"، وحصر البت بالطلاق أو الخلع بيد القضاء الأسري، بعد التوثق من فشل الجهود التوفيقية بين الزوجين.

فيما أشارت المدونة إلى حق الأب والأم معاً في البنوة، ما لم يثبت عكس ذلك بحكم قضائي، وإطالة أمد الحضانة لكلا الجنسين من الأبناء إلى سن الرشد، مع كفالة حق المرأة في الحضانة، حتى في حال زواجها من شخصٍ أخر.

فيما راهن المشرع المغربي على حق المساواة بين الجنسين، والذي كفله الدستور والمواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة المغاربية.

"المغرب يفتح صفحة جديدة"

فيما فتحت التعديلات التي أقرتها المملكة المغربية، الباب على مصراعيه، أمام تعزيز المساواة ما بين الجنسين، في مجتمع محافظ، حيث تضمنت التعديلات إزالة التشوهات المفاهيمة والتي تُرجمت على أنها حاطة من قيمة المرأة الإنسانية كما وصفتها ديباجة المدونة الصادرة عن الديوان الملكي المغاربي.

وجعلت المدونة المرأة شريكاً فاعلاً في قرار الزوجية، بديلاً عن ولي أمرها أو من ينوب عنها، والمساواة بين الجنسين من حيث سن الزواج، وتبسيط إجراءات التقاضي في القضاء الأسري، وتوثيق وقائع الزواج للمغاربة ممن هم خارج البلاد، ومنح المرأة حق طلب الطلاق في حال تعرضها إلى إخلال الزوج ببنود عقد الزواج أو التعنيف لها.

فيما نصت المدونة على عدد من الحقوق الخاصة بالطفل، في مجالات الميراث والنسب، فيما تسري بنود المدونة على المغاربيين حتى مزدوجي الجنسية منهم، أو المقيمين على أرض البلاد.

المراجع

مدونة الأسرة 2021

جدلية تعديل مدونة الأسرة بالمغرب، مراد علوي، هسبريس.

 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-