أخر الاخبار

"حبس المدين خيار لكبح جماح المتهربين من السداد"

 



خواطر بلال-المحرر

عايش الأردنيين، خلال فترة جائحة كورونا، ظروفاً إقتصادية شائكة، دفعت خلالها الحكومة، وبتوجيهات ملكية، إلى فرض قانون الدفاع، والذي إستمر حتى مطلع أيار الجاري، وتضمن قراراتٍ للتعامل مع تداعيات الجائحة الإقتصادية والإجتماعية، إلى جانب مكافحة الجائحة وحصر أثارها الصحية.

وعلَّ من أبرز القرارات التي إتخذتها الحكومة، كان أمر الدفاع المتعلق، بمنع حبس المدين، ووقف الحبس في القضايا المالية، مما كبد المستثمرين في قطاع الإسكان خسائر، ومشقة في تحصيل أجور إسكاناتهم عُقب تعمق ظاهرة المحتالين العقاريين، والذين لم يألوا جهداً في الإستفادة من الثغرات التشريعية، التي مكنتهم من إطالة أمد بقائهم في البيوت المُستأجرة، ودون دفعهم المستحقات المترتبة عليهم إزاء إستئجارهم تلك البيوت.

وتشير أحدث الإحصاءات الحكومية، والتي صرحت فيها وزارة العدل، أن أكثر من 158 ألف مدين يواجه أحكاماً مختلفة في دوائر التنفيذ القضائي أكثر من 68% منهم على مبالغ أقل من 5000د أردني.

فيما واجه المقرضين، ردود فعل غير آبهة من قبل المديونين لهم، على خلفية منع حبس المدين، الأمر الذي أعطى شعوراً بعدم الآمن على الحقوق المالية للناس، وعزز من مشاعر النقمة في المجتمع بين الدائنين والمدينين، في ظل بدائل حكومية لم تكن مجدية خلال الفترة التي أوقف فيها حبسُ المدين.

ورصدت "خواطر بلال" خلال الأشهر الماضية أحد جروبات المالكين والمستأجرين، على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، والذي يعكس تظلمات وشكاوى عدد من المستثمرين في قطاع تأجير العقارات، والتي تركزت حول تهرب المُستأجرين من دفع الإيجارات تحت ذريعة التعثر، الأمر الذي عزز ظاهرة الإحتيال العقاري.

في حين فاقمت إجراءات السلطات الحكومية والشركات المتخصصة بتزويد المساكن في خدمات المياه والكهرباء في مفاقمة المعاناة، حيثُ يتحمل المالكين عواقب تمنع المستأجرين من دفع فواتير الطاقة والمياه، وربما سرقتها من مصادر غير مشروعة، وتكتفي الشركات بملاحقة المالكين لتلك العقارات.

وفي خضم تلك الظروف، تنفس قطاع العقارات الصعداء بعدما أنهت الحكومة مطلع أيار الجاري، العمل بقانون الدفاع، والبدء بتطبيق قانون التنفيذ القضائي والذي يشدد العقوبة على المديونين في عقود العمل والإيجار.

وفي حين يرى فيها الخبير الإجتماعي حسين محادين، في حديثٍ نسب له نشره موقع الجزيرة نت القطري أن الموقف ربما يكون نتيجة تواطؤ الدائن مع المدين رغم معرفة الأول عدم ملاءة الثاني، وذلك لتحقيق المنافع الأنية.

وتعد ظاهرة التعثر المالي، من الظواهر الإقتصادية المعقدة في البلاد، وتطلبت قبل عدة سنوات تدخل جلالة الملك عبدالله الثاني الذي أطلق مبادرة شخصية للتعامل مع قضايا المتعثرات، بيد أن شراهة الناس للإستهلاك أمام ضعف قوة الدينار الشرائية مؤخراً، وثبات الأجور مع تنامي معدلات التضخم، نتيجة الأزمات المتتابعة عمقت الأزمة.

وتشير أراء خبراء أخرين، إلى مسارعة من كانوا قبل أيام يدعون بتعثرهم مالياً، إلى طلب التسوية مع مدينيهم، الأمر الذي يعزز مزاعم دائنين أنهم تعرضوا للغُبن من قبل المديونين خلال الفترة الفائتة، نتيجة إستغلالهم التساهل الحكومي في شأن إجبارهم على دفع ديونهم.

إجرائيا، تُعد ثقافة الدين حالة مستعصية على الحل في المملكة، ليس فقط بسبب الفقر ومحدودية الدخل، وإنما بسبب التوجه الإستهلاكي البالغ في الترف من قبل المواطنين، الذين عايشوا مرحلةً من الرفاه المؤقت التي لم تدم منذ تسعينات القرن الفائت، إلى جانب تعزيز أوساط رسمية مظاهر الترف في المجتمع، وغياب الثقافة المالية لدى الناس.

وحديثاَ بدأت وزارة التربية والتعليم، التأسيس للثقافة المالية، والتحضير لجيلٍ يملك ربما وعياً حيال التعامل مع المال، في مشهدٍ ربما سيطول عقوداً قبل أن تنجح المملكة في بناء جيل من السكان يملك عقلية التخطيط المالي، ويبتعد عن الديون بشكلٍ أو بأخر، خاصة وأن إرثاً عمره عقود جذر النمط الإستهلاكي المبالغ في ترفيته.

ويبقى مع ذلك حبس المدين، أخف الأضرار حدة، للتعامل مع ظواهر بالغة الأذى على إقتصاد البلاد الطامح لفتح آفاق جديدة للإستثمار، والذي ينظر إلى القوة الشرائية كمعيار مهم في نجاح المشاريع الإستثمارية.

 

 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-