أخر الاخبار

التغيرات الاجتماعية والسياسة السكانية تدفعان للإحجام عن الزواج

                                  


                                        خُبراء يحللون العزوف عن الزواج من منظوراتٍ متعددة

الحكومة غائبة إجرائياً عن تشكيل مؤسسة الأسرة الأردنية وحاضرة نظرياً وصورياً

إبتداءًا، وفي مُجتمعٍ مُحافظّ، يرى ساكنيه أن الزواج إكمالاً لنصف الدين، وخطوةً لا بُدّ منها للشّبابِ من الجنسين في مرحلةٍ من مراحل حياتهم، باتت المؤسسة الأسرية مُهددّة بالإنتقاض وعدم التشكلِ أساسًا نتيجةَ ظروفٍ اقتصادية معقدة، منها البطالة والتي قاربت نسبتها ربع سكان البلاد وفق نتائج دائرة الإحصاءات العامة خلال الربع الأول من العام الجاري.

وحتى العاملين من الشّباب، فهم يواجهون مداخيل متدنية، لا تكادُ تغطي أدنى متطلبات الحياة الفردية، علاوةً على فداحة أثمان مراسيم الزواج وأساسياتها المتعلقة بالسكن وتوفير سُبل العيش وتغطية فواتير الطاقة والمياه والإتصالات التي كُلها تشكلُ عناصر أساسية في حياةِ الأسرة الأردنية ما بعد الألفية الثالثة.

في حين تقف الحكومات الأردنية المتعاقبة على مر السنوات الأخيرة إجرائياً، عاجزةً عن المساهمة في بناء وتشكيل مؤسسة الأسرة، رغم وجود المؤسسات التي تُعنى بالأسرة أمنياً واجتماعياً وثقافياً.

وعبر عدد من شباب محافظة الكرك، في حديثٍ صُحفيٍ إنفردت فيه صحيفة الرأي-حكومية-، عن القيود والمعيقات المفروضة على الزواج، والتي تركزت حول مغالاة المهور وتدني الأجور وضعف الإهتمام الحكومي في تنفيذ مشاريع إسكانية تشابه تلك التي وجه فيها جلالة الملك وعرفت بإسكانات "سكن كريم".

أستاذ علم الإجتماع في جامعة مؤتة، حسين محادين قال في ذات الصدد،أنه وإضافةً للظروف الاقتصادية، فإن ضعف العلاقات الأسرية وظهور قيّم فردية أكثر تحررًا والتعقيدات التي تضعها الأسر أمام تزويج بناتهن هي عوامل مساعدة إضافية لظهور إتجاه شّبابي نحو العزوف عن الزواج.

وفي حين عززت التكنولوجيا والمؤسسات الوسيطة البديلة عن الأسر الشرعية، من الإشباع الجنسي كما يقول محادين، فإن حتى المتزوجين باتوا يميلون إلى الطلاق والإنفصال كنتاج لتعقيدات الحياة الأسرية وتراجع دور الأسرة في السُكنى والسكينة كمتطلبين شرعيين يرى كاتب السطور هذه.

من جانبٍ آخر ترى مديرة مركز الملكة رانيا العبدالله للدراسات التربوية والنفسية في جامعة مؤتة، والأستاذة في علم النفس التربوي وجدان الكركي، أن الأسرة كبناء يقوم على أسس عاطفية وروحية ومعرفية تحقق المودة، في حين أن العزوف عنه يشكل مشكلةً نفسية نتيجة هشاشة الإستقرار العاطفي.

وترى الكركي، ان الظروف الاقتصادية تفرض على الشّباب اللجوء إلى الإقتراض، والذي بدوره يؤسس لبذور الشقاق والنزاع داخل بنية الاسرة، مما تظهره حالات الطلاق والتي هي في تزايد بالسنوات الأولى من عمر الزواج.

ويرى سماحة الشيخ وليد الذنيبات، أن الزواج يشكلُ تحصيناً للشباب من الفاحشة، ويحقق السكينة والمودة كمتطلبات حددها الإسلام لبناء الأسرة بصورتها الشرعية المتعارف عليها في المملكة، ويضيف الذنيبات أن الظروف الاقتصادية والحاجة للإستزادة من العلم ومخاوف المستقبل في ظل نماذج الخلافات الأسرية والطلاق في المجتمع، والميل نحو المناظرة بالمستوى الاجتماعي والعلمي في الزواج كلها عوامل تقيد من الميل الشبابي للزواج، مُشيرًا إلى أن الإسلام حرم العزوف عن الزواج على المقتدرين عليه، في حين سن الصوم والإصطبار لغير المقتدرين.

وتقول مدربة البرمجة اللغوية العصبية السيدة علا حسن، أن الإباحية التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي للشّباب أتاحت التواصل بيّن الجنسين، وبشكلٍ منزوع من القيم الدينية والأخلاقية المتعارف عليها في المجتمع، علاوة على أن الحراك النسوي يعمل على فصل المرأة عن الرجل لإستظهارها كمحرك اجتماعي قوي، دون الحاجة إلى ذلك، علاوة على النظرة السلبية للعلاقة بيّن الزواج وتحقيق الطموح العلمي لدى الشّباب في المجتمع.

وتُضيف حسن، أن تدني الثقة بيّن الناس، وتكدس المسئوليات على طرف دون الأخر وغياب فلسفة التشاركية بيّن الزوجين، والنماذج الاجتماعية السيئة في الخلافات الأسرية والطلاق، وإنتشار العلاقات الوهمية بين أوساط الشّباب تؤتي بنتائج وردات فعل عكسية، إلى جانب التدخلات العائلية غير الإيجابية والتوقعات غير الواقعية للشباب تجاه شريك الحياة، وعدم لعب المؤسسات المدنية دورًا في توفير سُبل الزواج.

أما أخصائية الصحة النفسية للأسرة سلام عاشور، فترى أن التفكك الأسري والتعرض لخبرات العنف في مرحلة الطفولة، وتعقد التزامات الزواج، جميعها عوامل غلبت العزوبية كخيار على حساب الزواج بالنسبةِ للشّباب من الجنسين.

ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة، رامي الحباشنة، أن التوقعات الذهنية لدى الشّباب حول تبعات الزواج الشاقة والمرهقة ماديًا تُضيفُ عاملاً جديداً للإحجام عن التفكير أساسًا بخطوة الزواج، في حين أن ضعف مؤشرات الأمن الاقتصادي المستقبلي والغموض الاقتصادي الذي يحيط الشّباب في مُجتمعٍ مُتغير تُحدد من ميولات الشّباب نحو الزواج.

ويرى محمد الرواشدة، أستاذ الدراسات الفقهية والقانونية في جامعة مؤتة، أن فترة جائحة كورونا شهدت إقبالاً على الزواج نتيجة تراجع العراقيل الموضوعة أمامه وعلى رأسها المظاهر الاجتماعية المرتبطة بالحفلات باهظة الكلفة، الأمر الذي يستوجب الدراسة.

وأظهر التقرير الإحصائي السنوي لدائرة قاضي القضاة العام 2022، تراجع وقوعات زواج القصر بيّن العامين 16-18 سنة، حوالي 27.5 نقطة مئوية، حيث بلغت الحالات خلال العام 2022، 5824 حالة زواج بيّن القصر.

ويشير محمد مقدادي، أن ذلك التراجع في تزويج القصر، يأتي في سياق توجه مُجتمعي أكثر ميلاً للتحصيل العلمي في هذه السن.

وبلغت وقوعات الزواج العام الفائت، حوالي 63834 عقد، مُسجلةً تراجعًا بلغ 15.2 نقطة مئوية عن العام 2021، وفق تقرير دائرة قاضي القضاة.

وتراجعت عدد حالات الطلاق خلال العام الفائت بحوالي 6.8 نقطة مئوية، حيث بلغت 26756 حالة، منها  5.8 نقطة لزواج لم يدم سوى أقل من سنة.

ويشير المستشار الأسري خليل الزيود، إلى تغير فكرة القوامة في المجتمع، إلى القدرة على الإنفاق وعدم القبول سوى بحياةٍ نوعيةٍ مرتفعةً السقف.

ويؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن الظروف الاقتصادية، والتحول نحو ثقافة العولمة في المواطنة والتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتغير أنماط العلاقة بيّن الشباب من كلا الجنسين أموراً تفرض إيقاعاً على قضية الزواج، وتؤثر على ترتيبها كأولوية مفترضة في المجتمع.

ويرى الأخصائي الاجتماعي بلال الذنيبات، أن التحول المجتمعي الثقافي حول البحث عن شروط أيزو أكثر وعيًا تُجاه الزواج، إلى جانب السياسة السكانية المناوئة للزواج على المستوى الوطني، كما يفهم من سلسلة الإجراءات الحكومية في هذا المضمار كلها عوامل مساعدة لتقييد الميل نحو الزواج.

ويشير الذنيبات، أن ثقافة الزواج الآمن، والتي يجري تحت عنوانها الأبرز مجموعة من المعايير والطروحات التي تستوجب على المقبلين على الزواج التفكير فيها للمواءمة بيّن الطموح والتوقعات الشخصية نتيجة الثقافتين الشخصية والمحيطية في آن واحد، إلى جانب علمنة السلوك الشّبابي الفردي حديثًا قد أنشأ صراعًا بيّن قيم العلمنة والمألوف المُجتمعي الأمر الذي أظهر الخوف من الإقبال على الزواج وانعكس في حالات الطلاق.

 المراجع:

صحيفة الرأي الأردنية

مشاركة خاصة للأخصائي الاجتماعي بلال الذنيبات

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-