أشارت ورقة سياسات صادرة عن مؤسسة فريدريش ايبرت، وبالتعاون مع مركز هي للسياسات العامة، ممثلة بشركة المحفزون للتدريب، إلى الأدوار المناطة بمهنة الخدمة الإجتماعية الطبيّة في الأردن.
وفيما تعاني المهنة من عدم جدية القائمين على نشر المهنة في المؤسسات الطبيّة، إذ لا زالت تخلو العديد منها من المشتغلين بالمهنة، إلا أنها شهدت ومنذ العام 1973 تسجيل خطواتٍ مُتئدة في سبيل تقديم الرعاية الإجتماعية إلى جانب الطبيّة، ضمن مفهوم الرعاية الطبيّة الشاملة، التي باتت توليها المملكة إهتماماً في الآونة الأخيرة.
فقد دخل أول إخصائي إجتماعي المهنة العام 1973، في قسم الأمراض النفسية التابع للمدينة الطبية، ثم تعامل مع مرضى النخاع الشوكي، ودخل مركز فرح للتأهيل العام 1978، بعدما قامت الخدمات الطبية الملكية بإبتعاث عدد من المتخصصين بغية تدريبهم على أسس المهنة، ثم دخل الأخصائي في العديد من الأماكن ولعل أبرزها مركز الحسين للسرطان ومشفى الرشيد ضمن القطاع الخاص.
"نظرة تأريخية"
وفي إطار سعيه لتقديم المساعدة للمريض، في مختلف مراحل العلاج، وصولاً إلى الشفاء أو التكيف، فإن مهنة الأخصائي، بدأت خجولةً ومتأخرة في العالم العام 1880، في إنجلترا، حيث برزت الحاجة للتعامل مع الظروف الإجتماعية التي يعانيها المرضى النفسيون والذين يغادرون المصحات، للحيلولة دون إنتكاس حالتهم نتيجة فشل المحيطين بهم في التعامل مع وضعهم الصحي المستجد.
فيما عملت حركة العدالة الإجتماعية في الطب والذي كان تشارلز لوك أحد زعمائها، على دراسة الحالة المتعلقة بالمرضى ومدى حاجتهم للمساعدة، لإستعادة فعاليتهم إجتماعياً بعد الخروج من المؤسسة الطبية، فيما عملت الممرضة الزائرة في العام 1903 بولاية نيويورك الأمريكية، على تقديم الإرشاد والتثقيف اللازمين لمواجهة المرضى وذويهم آثار المرض عليهم.
"أدوار متعددة"
ويلعب الإخصائي الإجتماعي في المجال الطبي، أدواراً متعددة في الوسط الطبي، سواء داخل أو خارج هذا الوسط، في سعيه لتقديم أفضل الخدمات للمرضى، والذين يكونوا في أمس الحاجة لتلك الخدمات، سواء في محاولة الإخصائي تفهم الظروف المحيطة بالمريض، والآثار الناجمة عن المرض، أو تثقيف الهيئة الطبية في آلية التعامل مع المرضى بما يتسق وظروفهم الإجتماعية والنفسية المصاحبة لحالتهم المرضية المستجدة.
ويلعب الأخصائي أدوار مختلفة في الجسم الطبي، فهو يساعد في وضع الخطط والإستراتيجيات المتعلقة بالمرضى والتعامل معهم بما يتناسق وحاجاتهم الإجتماعية والثقافية إلى جانب الهيئة الإدارية، ويساعد الأطباء على تهيئة المرضى لتقبل المرض والعلاج والقوانين الناظمة للحياة داخل المنشأة، سواء تلك القوانين الرسمية أو غير الرسمية، فهو نتيجة التأهيل والذي تلقاه خلال سنوات دراسته المهنية، يكون قادراً على فهم المريض كإنسان له ظروفه وإمكاناته الخاصة، ويكون قادراً على توجيه خطة العلاج بما يتناسب مع تلك الظروف والإمكانات.
ويلعب الأخصائي دوراً تنسيقياً ما بين المريض والمؤسسات ذات الصلة بالحالة المرضية الخاصة فيه، لتمكينه من الإستفادة من الخدمات التأهيلية والرعائية المقدمة له، من مثل حقوقه في التأمين والرعاية اللاحقة والمعاشات التقاعدية والتعويضية، والنشاطات الترفيهية والمهنية.
ويعمل الأخصائي الإجتماعي إلى جانب الأسرة، في محاولةٍ منه لتهيئة الظروف المحيطة بالمريض، والتي تمكنه من الشفاء أو التكيف والتعايش مع الحالة المرضية الجديدة، وتغيير أساليب التعامل مع المرض السلوكية والثقافية منها، من مثل مرضى السرطان والتي تشكل فيه عملية العلاج الكيميائي مثلاً وتساقط الشعر أصعب المراحل والتي لها آثار تمتد إلى الأسرة والمجتمع.
ويساهم الأخصائي الإجتماعي في تعديل إتجاهات الرأي العام نحو المرض، فقد برزت في الأردن خلال أزمة جائحة كورونا مثلاً مبادرات تعديل الإتجاهات نحو المرض وطرق الوقاية والتعامل معه، الأمر الذي عزز من دور الخدمة الإجتماعية في المجال الصحي في المملكة كنموذج.
"الأخصائي الإجتماعي مع المريض..حالة ذوي الإعاقة الحركية"
ويعمل الأخصائي الإجتماعي في المجال الطبي، مع ذوي الإعاقة الحركية مثلاً، على تهيئة المريض لتقبل حالته المرضية الجديدة، وتوعيته بالأساليب والوسائل التي تكفل له التعايش مع تلك الحالة.
فيما يسعى الأخصائي، وعبر تعاونه مع المؤسسات المعنية، في إعادة إدماج المريض بالحياة التعليمية أو العملية، أو الحصول على التعويضات والمعاشات التقاعدية، والحقوق التي نصت عليها القوانين ذات الصلة بحالته المرضية الجديدة.
ويقوم الأخصائي الإجتماعي، وبالتعاون مع تلك المؤسسات بالبحث عن سبل تعزيز الفرص المتاحة أمام المريض، في سبيل الإستفادة القصوى من أجزاء جسمه السليمة، سواءًا الجزئية منها أو الكلية، وتوعية المريض بتلك السُبل وتمكينه الوصول إليها.
"المنطلقات الفلسفية للأخصائي الإجتماعي"
تنطلق مهنة الخدمة الإجتماعية في المجال الطبي من مجموعة من المرتكزات الفلسفية الأخلاقية والمهنية والتي منها: حق الإنسان في الحياة الكريمة الخالية من المرض، وتكاملية الحاجات الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية والمادية للإنسان، ورغم كونه عضواً في جماعة ومجتمع إلا أن للإنسان ذاتية خاصة فيه، وحق الإنسان في الحيلولة دون شعوره بالآلام كلياً أو الحد منها ما أمكن.
فيما تُعنى الخدمة الإجتماعية بصحة الإنسان كونها تجعله أكثر عطاءاً وإنتاجية، وأن تقدم المجتمع لا يستقيم إلا بمستوى صحة أفراده، وتعدُ الوقاية أقصر طرق العلاج وأفضلهاـ وتعتازُ بعض الأمراض إلى معالجات إجتماعية وثقافية إلى جانب الطبية من مثل الأمراض الوراثية أو المعدية، أو تلك المرتبطة بنمط العيش.
وتؤمن الخدمة الإجتماعية، بأن مخاطر الظروف الإجتماعية المصاحبة للمرض كالسرطان والإيدز والإعاقات المختلفة وغيرها أصعب من المرض العضوي بحد ذاته، الأمر الذي يدفعها لمعالجة تلك الظروف وفق الإمكانات التي تتيحها المجتمعات، ولا تقتصر أثار المرض على ذاتية المريض بحد ذاتها، بينما تمتد إلى نطاقي الأسرة والمجتمع معاً.
إلى ذلك تسعى الخدمة الإجتماعية الطبية في سبيل تحقيق الأهداف العلاجية المناطة بالمؤسسة الطبية، ومساعدة المؤسسة على إيصال رسالتها الصحية إلى المجتمعات المحلية المحيطة فيها.
"معيقات وعراقيل أمام الخدمة الإجتماعية الطبية-الأردن نموذجاً"
وتكشف دراسة مؤسسة فريدريش ايبرت، جُملة من المعيقات والعراقيل التي تعيق فعالية الدور المهني الذي تلعبه الخدمة الإجتماعية في المجال الطبي، وتتنوع تلك المعيقات بين ما هو ذاتي خاص بالمشتغلين في المهنة، أو مؤسسي ومجتمعي متعلق بنمط ونظرة التعامل مع المهنة لدى المؤسسة والمجتمع على حدٍ سواء.
وعلى صعيد المجتمع، لا زالت بعض المجتمعات المحلية، لا تثق بأهمية الخدمة المجتمعية في المجال الطبي، وتعتبرها نوعاً من الرفاه غير الضروري، ولا تقبل بعضها الأخر اللجؤ إلى الأخصائي إن وجد نتيجة نظرة الشك والريبة من جدوى المساعدة الإجتماعية، وارتباط الخدمة المجتمعية لدى الناس بمفهوم الإحسان والذي لا يحتاج وفق وجهة نظرهم تأهيلا مهنياً خاصاً.
بينما تنظر المؤسسات إلى المهنة على أنها في أدنى السلم الوظيفي، ولا تعدو كونها وظيفة ديكورية لا طائل منها سوى إثقال المؤسسة بكادر فائض عن الحاجة.
ووسط تلك الظروف، يعاني الأخصائيين الإجتماعيين العاملين في المجال الطبي على قلتهم، من ضعف التأهيل، وعدم الرغبة في تكليفهم بالأدوار المؤملة منهم، الأمر الذي يحولهم إلى جزء من النظام البيروقراطي للمؤسسة الطبية، وينحو بهم أخيراً إلى أعمال غير ذات مساس بمهنتهم الأساسية.
المراجع:
ورقة سياسات، تفعيل دور الأخصائي الإجتماعي داخل المؤسسات الطبية في الأردن، مؤسسة فريدريش ايبرت