ستعاني البشرية، نتيجة فرضية إنهيار الإنترنت، من تقطع سبل الإتصال، سواء المرتبطة بالإنترنت بشكل مباشر في حدود علمنا، أو التي تعتمده كالرسائل النصية العادية، والخطوط الهاتفية الخلوية، والتي تأخذ من بنية الإنترنت حيزا لعملها، إذ أن العديد من الإقتصادات الناشئة والكبيرة قائمة على الإنترنت.
فستتوقف التجارة الإلكترونية، ورسائل البريد وتلك الفورية ومكالمات الفيديو، التي ستغدو أمرا مستحيلا، الأمر الذي سينعكس أثره على إنتاجية المصانع والشركات، وسيخسر العديد من البشر مصدر عيشهم، الأمر الذي يعكس الإرتباط الشديد بين تكنولوجيا المعلومات القائمة على الإنترنت، وأنماط حياة الناس اليوم.
فيما ستعمل العودة عن الإنترت على إبطاء الأعمال، نتيجة لجوئها للبريد التقليدي، والورق، فيما ستخسر المؤسسات والشركات إرشيفها ما لم يكن متاح على غير السحابة الرقمية.
وفي مجتمعنا القائم على الفضاء السيبراني، فإن مصاعب جمة ستواجه، أولئك الطلبة في حصولهم على التعليم، بعدما بات التعلم عبر الإنترنت مهوى لهم، الأمر الذي سيحطم عقود من التنمية المستديمة التي بنيت على تكنولوجيا الإتصالات الفضائية، وسنخسر الدور الذي بات يلعبه الروبوت.
وتقدر خسائر الإقتصاد القائم على رؤوس الأموال، والسياحة والنقل الجوي، بمئات المليارات، وستصاب العمليات المصرفية بالشلل، وستندر النقود، وسيعود نظام المقايضة في المجتمعات المحلية، وستتحول الشركات الكبرى إلى شركات صغيرة محلية.
على الصعيد النفسي ، فإن الناس من المحتمل، أن يعانوا من الأمراض النفسية، وتنامي الإنتحار، والجريمة، والإكتئاب، والأمراض المرتبطة بالذعر والخوف من هذا الظلام الرقمي الدامس، الذي سيحل على العالم، علاوة على العزلة عن المحيط الإجتماعي.
وفي تجربة أكاديمية، أجراها جيف هانكوك الأستاذ بجامعة ستانفورد، العامين 2008-2009م، في محاولة منه دراسة التداعيات النفسية والإجتماعية للإنترت لدى الطلبة، طلب خلالها من طلبته التخلي عن هواتفهم خلال يومين فقط، مما أثارهم، ودفعهم بوصف الأمر بالجائر.
وعبر الطلبة، عن تخوفهم من شعور ذويهم بالقلق عليهم، وعدم تمكنهم من الإيفاء بواجباتهم المدرسية، وتدمير حياتهم وعلاقاتهم المجتمعية، مما حدا بهانكوك إلى إلغاء التجربة.
وتساءل هانكوك الأن، ماذا ستكون ردة فعل طلبته لو أعاد الكرة مرة أخرى، ويشار إلى أن أقل من 1% من سكان العالم كان لديهم إمكانية الولوج إلى الإنترنت العام 1995م، وكان يستخدمه بدافع الفضول، بينما اليوم بات حوالي نصف سكان العالم والبالغ 3.5 مليار إنسان يستخدمونه وهم بإزدياد بعد سنوات من ذلك العام.
وأشار إستطلاع في العام 2016، أجري في المملكة المتحدة، أن 90% من البالغين يستخدمون الإنترنت، وكشف مؤلف كتاب "المجتمع والإنترنت" من جامعة ميشغان ويليام داتون، أن الناس اليوم باتوا غير قادرين على تصور إنقطاع الإنترنت، ولا يدركون مدى تغلغل الإنترنت في كل جوانب حياتهم.
عمليا، فإن البنية التحتية للإنترنت تتعرض بين الحين والأخر إلى الإنقطاع الجزئي، من خلال هجمات القراصنة، ومخاطر الإعتداء على الكوابل تحت البحار وتربط القارات، وينعكس ذلك على الأعمال والحياة الإقتصادية والإجتماعية بخسائر بليغة الأثر، فقد عانى سكان الشرق الأوسط والهند الأمرين بسبب تقطع الكوابل أو إتلافها العام 2008.
وتسعى الدول، بين حين وأخر، إلى قطع الإنترنت لمواجهة الحركات الإحتجاجية، والتي أثرت بدورها على الحياة السياسية في بلدان مختلفة مثل تركيا والولايات المتحدة، والأردن، ومصر وربما الصين، بالإضافة إلى تركيا، رغم تعقد فكرة إيقاف الإنترنت في دولة بعينها.
وعبر عالم الأعصاب في جامعة ستانفورد ومؤلف كتاب "لماذا نهتم بالإنترنت" ديفيد إيغلمان، عن قلقه إزاء دور التوهجات الشمسية في إحداث دمار واسع في البنية التحاتية للإنترنت، فيما يطمئن سكوت بورغ من وحدة دراسة تبعات الهجمات الإلكترونية في الولايات المتحدة العالم، حيث أكد أن المشغلين من الشركات يملكون الإمكانات التي تؤهلهم للتصدي للهجمات السيبرانية وإبطال مفعولها خلال توقيتات وجيزة من حدوثها.
ويزعم بورغ، بناء على تحليلات للأثر الإقتصادي لتعطل الإنترنت، أجراها بإيعاز من وزارة الأمن الداخلي الأمريكية العام 2008، أن تعطل محدود للإنترنت زمانيا، يستغرق 4 أيام، لن تكون له أثارا إقتصادية تذكر، بعد مراجعة بيانات 20 شركة خلال الفترة ما بين 2000-2008، أجراها بصحبة زملاءه في الوحدة.
وأشار بورغ، أن بعض الشركات في مجالات السمسرة، والفندقة، والطيران، لم تعاني سوى من خسائر بسيطة، وفاجأ بورغ، في ذات السياق، أصحاب الشركات، عندما قال أن 4 ساعات من إنقطاع الإنترنت، تساهم في زيادة الإنتاجية لدى العمل.
وفي حين طالب إيغلمان، المؤسسات الحكومية والأهلية في وضع خطط بديلة عن تعطل الإنترنت، لكنه، خمن أن أحدا لم يأخذ بنصيحته.
إلى ذلك، وعلى خلفية تعطل 90% من أجهزة النداء الآلية "البيدجر"، في الولايات المتحدة، وهي أجهزة تستخدم في بث الرسائل النصية الصغيرة، نتيجة عطب أصاب القمر الصناعي المسئول عن إدامة عملها، كشف داتون عن أراء 250 مستخدم للجهاز في لوس أنجلوس العام 1998م، حيث وقع إنقسام إجتماعي وإقتصادي في ردود الفعل.
ففي حين، لم يتأثر المدراء وأصحاب المهن، بينما خسر العمال المستقلين في مجالات السباكة والنجارة، والذين يستخدمون الجهاز في التواصل مع زبائنهم، صعوبة في تلقي رسائل الزبائن، وخشية الأمهات اللواتي يتركن أطفالهن في الحاضنات من حال أطفالهن، بعدما فقدن الإتصال بتلك الحاضنات.
فيما يساعد الإنقطاع في الإنترنت، على تنامي مشاعر القلق والتوتر والعزلة، ومخاوف من عدم القدرة على الإستجابة للظروف الطارئة، عند تعطل السيارة مثلا، والحاجة لطلب المساعدة الطارئة، فيما عبر 80% من الناس في نيويورك، عن إفتقادهم للهواتف بسبب عدم القدرة على التواصل مع الأهل والأصدقاء، عندما شب حريق بأحد شركات الهاتف بالمدينة مما قطع خدمات الهاتف مدة 23 يوما العام 1975م.
وحاجج داتون، أن العلاقات الإجتماعية تنشط في ظل وجود الإنترنت، على عكس المعتقدات السائدة والتي تدعي بأن الإنترنت أضعف التواصل بين البشر ومحيطهم من الأصدقاء والجيران.
وتقول ستاين لومبورغ من جامعة كوبنهاغن في الدنمارك، أنه وفي بعض البيئات كبيئات العمل، فإن إنقطاع الإنترنت سيزيد من تفاعل الناس فيما بينهم بشكل مباشر، ولكن لن يحدث ذلك مثلا في مواقف القطارات أو الطرق العامة, معبرة عن قلقها من أن التجربة قد تثير الإحباط لدى الكثيرين.
إلى ذلك، عملت جائحة كورونا العام 2020م، على تعزيز إرتباط بيئات العمل اكثر فأكثر بالإنترنت، وباتت تقنيات العمل عن بعد متطلبا أساسيا للعديد من البشر حول العالم، الأمر الذي ينمي من مخاطرإنهيار الشبكة، على الإقتصادات الناشئة والهشة القائمة على الإنترنت.
وسارعت المجتمعات، خلال العام 2020، إلى تطوير وتنمية قدرة أفرادها على الوصل للإنترنت، ونشر ثقافة العمل عبر الإنترنت، والتعليم، والعلاج، وتبادل النقود عبر الإنترنت، فقد نمت المحافظ الإلكترونية في بلد ذا إقتصاد ناشئ كالأردن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وحققت شركة أورنج أرباحا طائلة العام الماضي نتيجة مشاريع التحول الرقمي، والتي بدأتها الحكومة والمؤسسات الأهلية مدفوعة بالظروف التي خلقتها جائحة كورونا.
وتتعرض البلدان، بشكل متسارع للهجمات السيبرانية، ومخاطر التغيرات السياسية المتطرفة، مثل إنتشار الإرهاب، والجريمة، وذيوع الإحتجاجات الناقمة على السلطات، في ظل الإنتشار الواسع للتطبيقات المرتبطة بالإنترنت، حيث أن ما بات يعرف بجل "زد"، لن يكون عليه من السهل اليوم تخيل نفسه بلا إنترنت.
وجنحت العديد من الدول إلى حظر بعض التطبيقات العاملة على الإنترنت، رغم بعض الإختراقات، تحت وطأة قلق صناع القرار فيها من وجود تهديدات للأمن والإستقرار السياسي والقيمي في مجتمعاتها، فيما لعبت الإنترنت إبتداءا من 2011م، على تغيير الخريطة السياسية في المنطقة العربية فيما عرف تأريخيا بالربيع العربي، الأمر الذي دفع بعض الشركات العاملة مثل ميتا وتويتر على فرض قيود على الدعاية ذات الصبغة السياسية خلال سنوات لاحقة، ظهرت جليا بالإنتخابات الأمريكية التي أتت بالرئيس الأمريكي جو بايدن، وأحداث القتال المتقطعة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وتوظيف عصابة داعش الإرهابية الإنترنت في حشد المؤيدين، والأنصار لها.
المرجع: المادة بتصرف عن المصادر التالية:
BBC Future
عربيBBC