خواطر بلال-المحرر
قدم المفكر الأردني، الدكتور ناصر الدين الاسد، في مؤلفه
تحت عنوان:" نحن والعصر..نحن والأخر"، محاولة تحليلية للعلاقة بيّن
الأمة العربية الإسلامية، والزمن المعاصر والأخر المُمثل بالحضارات الأوروبية
والأمريكية واليونانية والصينية.
وتناول الجُزء الأول من هذا المؤلف، المعنون بـ"نحن
والعصر مفاهيم ومصطلحات إسلامية" جُملة من القضايا ذات الصلة بالإسلام في
العصر الحاضر.
ويخوض الأسد، في الفصل الأول من الجُزء الأول في حديثٍ
عن نظام الحكم في الإسلام، محاولاً الرد على تلك الطعون التي تُجابه فيها الأمة من
قبل أعدائها ومحاولة لصق صفات الإرهاب والتطرف فيها، إذ يقدم البراهين على العلاقة
الوطيدة بين التطرف والإرهاب من جهة والحركة البشرية على مر الزمن من جهة أخرى بغض
النظر عن الماهية الدينية، والحضارية.
وعبر الأسد عن اعتقاده بأهمية توظيف تكنولوجيا الاتصال
في الرد على الشبهات والدسائس، ووضع المفاهيم في مساراتها الصحيحة بدلاً من تركها
في موضع الشبه والفهم الخاطئ، إلى جانب أهمية ألا تؤخذ السلوكيات الشاذة كصورة
مبدأيه عن الإسلام والمسلمين، والفصل بين المبادئ الإسلامية والمصطلحات الفكرية
الحديثة، كالاشتراكية والسلام والحكومة الدينية-الثيوقراطية، والحرب المقدسة،
والحكم الدستوري والبرلماني ورجال الدين، فهي مصطلحات وجدت في بيئات وسياقات
مُغايرة عن مجتمعاتنا وسياقاتنا الإسلامية.
وعرض الأسد، تحليله لسياقات "الخلافة وطريقة تنصيب
الحاكم، ودور المرأة في المجتمع الإسلامي، ومبدأ الأمة مصدر السلطات-الشورى،
والتشريعات الإسلامية"، وهي مفاهيم تتعدد صورها في الحياة الإسلامية وفق
مقتضيات الزمن والمكان.
وحول العلاقة بيّن الأقليات والإسلام، اشار الأسد إلى
توصيفة "أهل الذمة"، والذي شرع لهم الإسلام حقوقًا تحترم حريتهم الدينية
والاقتصادية والاجتماعية، بما لا يتعارض وسياق الدولة الإسلامية، بما يتسق ورسالة
الإسلام التي تنظر للإنسان كوحدة واحدة في النوع، ووحدة الدين السماوي المستمد من
سيدنا إبراهيم-عليه السلام-، الأمر الذي يترتب عليه حرية المعتقد، وتقوم العقيدة
على مبدأ تعزيز الحرية والكرامة الإنسانية في ضوء تعدد الأجناس والأعراق واللغات
في المجتمع المسلم.
وحول التعامل الإسلامي مع المرأة، لم يغفل الأسد الإشارة
إلى أن الإسلام عبر عن كون العلاقة بيّن الرجل والمرأة متساوية في العمل والجزاء،
فهي شاركت في البيعة إلى جانب الرجال، وشاركت في المعارك التي خاضها الرسول،
وخلفاءه من بعده، وحتى فكرة الميراث، لم يأخذها الآخرين عن الإسلام على حقيقتها
فهناك حالات عديدة تحوز فيها المرأة على حصة مساوية أو تزيد عن الرجل من الميراث،
وتناول الأسد فكرة تعدد الزوجات حيث جاء الإسلام محدداً لأمر كان منتشر ولم يحدث
أمراً مستجد، بدلالة أن المجتمعات الغربية ذاتها تحترم حق الرجل في أن يتخذ خليلة
من غير زوجته، بيد أن الإسلام حافظ على الرجل عندما منحه الحق في ممارسة العلاقة
مع عدة زوجات لمنع تفشي المساوئ الناجمة عن العلاقات تحت جنح الظلام.
وكرم الله الإنسان بما منحه من حق الإنتفاع بما في
الكون، وهو موفور الكرامة، لا يستعبد، وقد حرم الله الطائفية والتنابز بالألقاب والعنصرية.
وحدد الأسد خصائص الثقافة العربية الإسلامية، في جملة
مواضيع قائمة على المنهج المستمد من روح الإسلام ونظرته إلى الإنسان، حيث عمل على
تكوين العقل البشري وتحريره من الخرافات والأساطير، والحث على فهم النصوص وعدم
الجمود عليها بل والإجتهاد فيها خدمة للبشرية، وأخرى قائمة على المحتوى الذي يضم العلوم
التي أنشأها المسلمون في أنفسهم والتي تختص باللغات بالإضافة إلى نقل علوم
الحضارات الأخرى وحفظها والتطوير عليها، ثم وأخيراً في التطبيق والممارسة، وهذا رد
على من كان يعتقد أن الثقافة العربية مقصورة على الحفظ والتدوين دون الإبداع
والتجديد، أو أنها مقصورة على اللغات والأدب والدين، وأنها ثقافة جامدة ومتحجرة.
في حين مثل الجزء الثاني من هذا المؤلف، والذي حمل
عنوان: نحن والأخر صراع وحوار، مجموعة من المحاضرات شارك فيها الأسد في دولة
المغرب العربية في رحاب أكاديمية المملكة المغربية في العاصمة الرباط تحت رعاية
الملك الحسن الثاني، وتناولت عدة مواضيع منها:
تحدث الأسد عن التطورات التي صاحبت الفترة ما بين
اتفاقية سايكس بيكو وأزمة الخليج، حيث أبدت قوى الإستعمار الصليبية والأمريكية
وغيرها مواقف عدائية تعكس تراثها المليء بالعداء للشرق ولكن تحت مسميات أكثر
تزويقاً منها حقوق الإنسان وحماية الأقليات وغيرها طمعا في الثروات العربية.
وأشار الأسد إلى توظيف الشرعية الدولية في خدمة مصالح
القوى الاستعمارية، معززاً ذلك بجملة من الوقائع المعاصرة، علاوة على توظيف
الديمقراطية وحقوق الإنسان في عملية قهر الشعوب المستضعفة وسلب ثرواتها.
وأشار الأسد إلى العلاقة بين الإسلام والتفاعل الحضاري
وفق جدلية الحوار والصراع، في ضوء نظرية صراع الحضارات التي وضعتها الولايات
المتحدة عقب إنهيار الإتحاد السوفيتي في مواجهة ما يسمى بالخطر الإسلامي.
وأفرد الأسد فصلين في الحديث عن العلاقة بين الإتحاد
الأوروبي والعرب، سواء بصفتهم عرباً أم بصفتهم شرق أوسطيين بضم إسرائيل لهم عنوة،
أو عبر تقسيم المنطقة العربية إلى تقسيمات مختلفة من مثل الشرق الأوسط وشمال
افريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي.
وختم الأسد مؤلفه في طرحه تساؤلات حول العلاقة بين
الهوية والعولمة بالنسبة للوطن العربي بمختلف دوله.
وقد أعادت وزارة الثقافة الأردنية، طبع المؤلف ضمن مشروع
مكتبة الأسرة العام 2022، وبعدد صفحات بلغ أكثر من 300 صفحة من القطع المتوسط.