خواطر بلال-المحرر
تتعدد المداخل التي تناول سياسة التوازن الجهوي، حيث يمكن لعلماء الاجتماع
السياسي والتنموي والأمني والسكاني
الإدعاء بأنهم أصل تلك السياسة، بيد أننا في هذه المقال سنعمل على تحليل هذه
السياسة من منظورها التنموي، ونتخذ من الجزائر حالة لشرح المصطلح.
وتعد هذه السياسة، من عناصر قوة الدولة، إذ هي تعكس قدرة الدولة على توفير
الحاجات التنموية على مستوى القطر، وبيّن مختلف فئات السكان، الأمر الذي يعزز لا
مركزية التنمية وحصرها في إطار جغرافي –العاصمة، أو سكاني- مناطق الأغنياء والفقراء
مثلاً.
وتعرف سياسة التوازن الجهوي في التنمية، على أنها الإستثمار المتوازن في
جميع قطاعات الإنتاج وعلى مستوى مختلف أقاليم الدولة، الأمر الذي يعزز متانة
الإقتصاد الوطني وتوزيع مكتسبات التنمية
على مستوى القطر الواحد.
وتعاني مثلاً الأردن من ضعف التوازن الجهوي، حيث تتركز جهود التنمية في
محافظة العاصمة وإقليمي الوسط والشمال على حساب الجنوب، بينما ربما تتمتع الولايات
المتحدة بتوازن جهوي قوي نتيجة توزيع مكتسبات التنمية على مختلف الولايات.
وتلجأ الدول لتحقيق التوازن الجهوي، لضمان الإستقرار الأمني، إذ أن انعدام
التوازن قد يلقي بظلاله، على توالد مشاعر التهميش والعدوانية تجاه المناطق الأكثر
حظاً بالتنمية، حيثُ أن تركز التنمية أفرز على المدى الماضي مشاكل المدن العربية
كأحياء الصفيح، وأطفال الشوارع وتشكل العصابات والشلل المنحرفة، وتعاطي المخدرات والدعارة ودناءة الأخلاق،نموذجا من المشاكل الناجمة عن غياب التوازن الجهوي في التنمية.
إلى جانب ذلك، شكل تركز جهود التنمية على تلويث البيئة، وإزدحام المراكز
التنموية في المُدن الرئيسة مثل عمان والجزائر على حساب ترك الأراضي غير مستغلة في
المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية في الأردن والجزائر مثلا.
ويعمل التوازن الجهوي، على تثبيت السكان في مناطق سكناهم، واستثمار
الإمكانات التي تتيحها المناطق غير المجاورة للمراكز الحضرية للتخفيف من حدة
التقرحات التي أصابت المُدن، والتي باتت عاجزة عن توفير متطلبات العيش الكريم
لأبنائها نتيجة تداعيات الإنفجار السكاني.
وتعد الدولة، ضمن ما تملك من مؤسسات تشريعية واستثمارية وإدارية دوراً في
تنشيط عملية التوازن الجهوي، إلى جانب الجماعات الضاغطة والتي يجب عليها تحويل
الأنظار للفرص المتاحة في المناطق الهامشية، إلى جانب القطاع الخاص والذي يجب عليه
الإستثمار بإمكانات المناطق الهامشية، وأخيراً على المواطنين التجاوب والتفاعل مع
تلك الجهود.
وتساهم المبادرات الملكية في الأردن، إلى جانب الحوافز التي تقدمها الحكومة
للمستثمرين في المدن الصناعية الطرفية على تنشيط عملية التوازن الجهوي.
فيما عملت الجزائر على تطوير عملية الإنتاج على مستوى مختلف الولايات
والمدن في البلاد، وعلى مدد زمنية متفاوتة، كان أخرها في عهد عبد المجيد تبون
والذي أعلن مناطق جديدة ولايات بكامل المزايا والصلاحيات المتعلقة بمستواها
الإداري الجديد.