أخر الاخبار

بلاد الأحلام تخطف أرواح الغلابة..تحت جنح المجرمين وفوق بصر الرحماء الكاذبين

 


خواطر بلال-المحرر

وكأن البؤس لعنةً تُطارد العرب والغلابة من شعوب المنطقة، فلم تكفي الحروب ولا المجاعات من النيل منهم، بل ترافقت ظروف البحر والهجرة القاسية إلى بلاد الأحلام الهلامية، فقد كثرت عدادات ضحايا البحار، وهم المهاجرين "غير الشرعيين"، الحالمين ببقايا كرامةٍ في عيش، وآمنٍ في دنيا عز فيها الأمن أولى النعم وأمها.

تقريرٌ نشره الصحفي محمود السبكي، من شبكة أريج للصحافة الإستقصائية، تناول وفاة العشرات من المهجرين عبر ليبيا، والمتجهة إلى العجوزة الأوروبية، من جنسيات عربية وباكستانية، إلى تورط قوات الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، مع شبكات تهريب البشر ومكاتب سياحية سورية، تنظم رحلاتها شركة "اجنحة الشّام" لهؤلاء الحالمين في أرض الميعاد الأوروبية.

تجارة مربحة لعرابيها على حساب عيش البشر

وتكشف تقارير الأمم المتحدة لبحوث الجريمة والعدالة العام 2021، أن تجار البشر يحصدون قُرابة 236 مليون دولار، حسب عدد المُغرر بهم، والمستغلون في أحلامهم بحقوق، باتت في عالمنا تساوي حفنة مال يملؤها تجار البشر.

وتبلغ معدل أسعار رؤوس البشر المهجرين عند عرابي التهجير، في ليبيا ما بين 2500-4500 دولار، للهجرة صوب إيطاليا، وتظهر أرقام وزارة الداخلية الإيطالية تنامي حركة الهجرة خلال العام الجاري، حيثُ سجل حتى شهر حزيران المُنقضي، 58171 إنسان دخل الأراضي الإيطالية، ناجيًا من الموت في عالم البحار ليواجه العنصرية والمقت الأوروبيين، والذين لا يمكن إغفالهما فهي تصريحاتُ رسميين "لم يخجلوا"، وسلوكات باتت واقعة تزين هامات شاشات عرضنا المنتهكة لعرضنا ولكرامتنا كبشر في مستوضح النهار.

وتعايش معد التقرير السبكي، تجربةً رصد فيها خُطى الحالمين بالوصول إلى بلادِ الفرنج الموعودة، فكان سعره على متن "أجنحة الشّام"، من سورية إلى مدينةِ بنغازي الليبية، حوالي 1200 دولار، مع تسهيلات في الدفع حتى الوصول إلى بنغازي، ثم إلى إيطاليا بحوالي 4350 دولار، ومع ضمانات وتسهيلات كذلك لضمان إيقاع الضحية في شبكة الصيد الثمين.

وسواء كنت في بيروت، أو دمشق، وحتى عمّان، فإن السفرة سهلةً وميسرة بغطاءٍ من مكاتب سياحةٍ، لا يتورع ملاكوها وداعموها من النهش والولغِ في كبد البشر وعيشهم.

ومن بوابة هيئة الاستثمار العسكري، التابعة للجيش الليبي، والتي أنشئت بموجب قانون العام 2018، لغاياتٍ ظاهرها الإستثمار لمصلحة الجيش، بيد أن هزيمة قوى الجيش تحت أمرة اللواء حفتر العام 2020، عمل على تنشيط تجارة البشر لتعويض التمويل الدولي الغائب عن حفتر.

وتظهر بيانات رحلات "أجنحة الشّام"، تنفيذ 363 رحلة، خلال الفترة ما بيّن العام 2020، وحتى حزيران الماضي، بطائرات تسع تقريبا حوالي 180 راكب، مما يعني أرقام "كبيرة"، وضحايا كُثر.

وترتبط شركة أجنحة الشّام، بصورةٍ غير مباشرة بأحد أقارب الرئيس السوري، بشار الأسد، وتأسست العام 2007م، قبل الأزمة بسنوات قلال، والشركة يملكها رجل الأعمال عصام شموط بالشراكة مع رامي مخلوف ابن خال الأسد.

وأدرجت الشركة ضمن عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية، بدعوى نقل مقاتلين روس وإيرانيين صوب سورية، العام 2016م، علاوةً على أن حكومة الوفاق الوطني الليبية في طرابلس "غرب ليبيا"، تتهم الشركة بنقل عناصر من فاغنر وسوريين نحو الشرق الليبي.

وفرض المجلس الأوروبي عقوبات على الشركة، بعد تنظيم رحلات غير شرعية لنقل المهاجرين إلى أوروبا من بيلاروسيا العام 2021، لكنها على ما يبدو توقفت العام 2022، وفق مفوضية الإتحاد الأوروبي، عن ذلك بضغط العقوبات.

وكأن عذاب الهجرة غير كافٍ

وكأن عذاب الهجرة غير كافٍ، ليواجه الضحايا ذاتهم عقوبات الحبس في طرابلس، تحتَ ظروفٍ إنسانية قاسية، لا تقف عند التعذيب بل وتصل حدود الإعتداءات الجنسية، ليواصل الغلابة والحالمين مسلسل العذاب تحت سمع وبصر منظمات أممية لا تؤتي حراكًا ولا تشبع ضمأنًا.

أيار الماضي، كان ملف الهجرة غير الشرعية، مطروحًا على الطاولة بين اللواء خليفة حفتر، ووزير الدفاع الإيطالي في روما، بيّد أن الحكومات عادةً ما تستخدم مثل هذه القضايا للتفاوض عليها مع البلدان الأوروبية، الأمر الذي يمنحها إعترافًا بفعاليتها.

وكشف تقرير أممي صدر أذار الماضي، أن المهاجرين يتعرضون للتعذيب الممنهج، علاوةً على كون عمليات تهريب المهاجرين المساكين، وآلوان العبودية التي يتعرضون لها، إلى جانب عملهم القسري وإبتزازهم يُدر دخلاً للجماعات الإرهابية ومؤسسات الدولة المتهالكة.

وسواءً عبر خط دمشق-بنغازي-طرابلس-إيطاليا، أو عبر تركيا-اليونان، فإن السوريين والعرب يواجهون الموت تحت كل ذرات ثانيةٍ، والعنف والتنكيل فوق كل بصرٍ كفيف ممن يلهجون بإسم حقوق الإنسان عشية وضحى.

الدراما السورية تقول كلمتها

ولم تتوانى الدراما السورية عن تسليط الضوء على قضية الهجرة غير الشرعية، وسلط مسلسل "كسر عضم"، وهو من إخراج رشا شربتجي، العام 2022، على الظروف التي تدفع السوريين للتفكير بالهجرة، طمعًا بعيش موعود، وجهلٍ بعذاب مُخبأ.

ولا تنتهي العذابات بالوصول إلى بلاد الأحلام الموعودة، فإن حكومات تلك البلدان، كانت ولا تزال تنتهج سياسة عنيفة إزاء هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين.

وتلجأ الحكومات الأوروبية، إلى إحتجاز المهاجرين في مخيمات سيئة على الحدود، أو تقوم بإعادتهم للبلدان التي جاؤوا عبرها، مقابل أموالٍ تدفع لحكومات تلك البلدان، تحت غطاء دعم التنمية فيها، وفوق أعين منظمات حقوق  الإنسان المسلوبة.

ليُصار المهاجر في ذلك، يعيشُ عيشة ضنكا أشد وطأة من هاتيك العيشة التي حاوّلَ وسعه نفض غبارها عن نفسه، فتلطخ بمستنقعٍ فيه المجرم والمهرب وذا اليد البيضاء الحريرية متساوون في ظلمه وقهره وغمط عيشته.


 

 

 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-