أخر الاخبار

العولمة والهوية في الثقافة



خواطر بلال-المحرر

تُشكل الثقافة الإنسانية، مشروعًا وطنيًا، يُعزز من إستقلال الشعوب، ويجعلها ذات مكانة في المجتمع الكوني، وكانت الأمة العربية قد إحتلت مكانةً ثقافية مرموقة عبر التاريخ، بيد أن قوى الإستعمار القديم والحديث، والإمبريالية ما انفكت تحاول وأد المكونات الثقافية القومية، طمعًا في السيطرة على ثروات البلدان الضعيفة.

وخلال مؤلفه، الموسوم بـ"العولمة والهوية في الثقافة"، ناقش الدكتور غالب الفريجات، مفهوم الثقافة كمشروع تحرري ونهضوي، حيثُ تناول تعريفات كل من:إدوارد تيلور، ولسلي وايت، والفرد كوبر.

وشخص الفريجات، وهو كاتب وأكاديمي أردني، ولد في محافظة الطفيلة العام 1971م، حال الثقافة والمثقفين في الوطن العربي، والذي يرى أنه يتميز بعدة مزايا تعكس تخلفه وسلبيته في الحضارة الكونية، منها:

  • الإنتاج الثقافي الممهور بالأمية والضحالة والسطحية
  • تشكل نخبة المثقفين العرب على أسس مادية 
  • توظيف المال العربي لشراء الذمم والسيطرة على المثقفين
  • تقوية المؤسسات الثقافية الأجنبية على حساب تلك المحلية، بما تحمله من قيم الغزو الثقافي الإمبريالي
  • ضعف الدراسات والأبحاث الإنسانية عمومًا
ويستعرض الفريجات، ضعف ثقافة البحث العلمي، وهامشيتها في المنطقة العربية، خصوصًا وأن الجمهور العربي لا يميل نحو القراءة وذلك نتيجة الصراعات والأمية والفقر.
ويرى علم الإجتماع، أن الثقافة عبارة عن سلوك ونمط حياة جماعة بشرية تكون ملائمة ومقبولة من قبل أفرادها، تشمل الإدارة والعمل والمناشط المجتمعية المختلفة، لتكون بذلك هوية تلك الجماعة سواء أكانت جماعة محلية صغيرة مثل قرية أو مجموعة مهنية مثل الصحفيين والأطباء، إلى مجتمع الإقليم والدولة أو مجموعة دول مثل الدول العربية والإسلامية، الأمر الذي يحدد العلاقة التبادلية بيّن الثقافة والهوية.
ومع تناميى العدوان الإمبريالي على المنطقة العربية، فإن ثقافة الإستشهاد تجدُ لها حواضن شعبية  في العالم العربي والإسلامي، الأمر الذي يبدوا واضحًا في فلسطين والعراق وأفغانستان من جراء الإحتلالين الأمريكي والإسرائيلي.
ولا تنشط الثقافة الإستشهادية بمنأىً رديفتها ثقافة الممانعة والمقاومة، والتي تأتي ردًا على إستشراس القوى الإحتلالية والإستعمارية، ونزاعات الغزو والهيمنة الأمريكية الطاغية في العالم.
ويحلل الفريجات العلاقة الجدلية بين المثقف والثقافة من جانب، والفعل السياسي على الأرض من جانب أخر، حيث  يرى المؤلف، ضرورة أن يلعب المثقف دوراً في المشهد السياسي لا يكون فيه تابعاً للسياسي، بل تقوم العلاقة بينهما وفق المصلحة الوطنية العامة.
فيما تتحمل مؤسسات المجتمع المدني، والمدارس والأسر والإعلام، مسؤولية تشريب الشّباب الثقافة الوطنية والقومية، في مواجهة الغزو الثقافي الإمبريالي، والذ يستهدفهم بالمحط الأول، خصوصًا وأنهم ماكينة الإنتاج والتطوير والبناء في المجتمعات التي يعيشون فيها.
ولمواجهة التطرف والإرهاب، تناول الفريجات، ثقافة الحوار، وقيمها القائمة على التعددية وإحترام الإختلاف بيّن الجماعات والأفراد في المنطقة العربية، ودور المؤسسات في ذلك.
وتناول الفريجات الإصغاء كأحد أهم أدوات الحوار، والذي يعني:
  • التفرغ للمتحدث
  • الإنتباه لما يقوله الأخر
  • منح الفرصة الكافية للمتحدث
  • استهداف الفهم من الإصغاء لا المناقضة
  • التنبه للتعابير غير اللفظية كلغة الجسد والنبرة
  • قراءة ما بين الكلمات
  • تجنب التسرع في الرد
  • تجنب تصنيف المتحدث وتوجيه الأحكام القطعية تجاهه
وتناول الفريجات، دور أدوات التربية والتعليم في تأصيل الثقافة العربية لدى الأجيال العربية الحديثة، فيما تصدى الفريجات لمبدأ التطبيع الثقافي، والمتمثل بتعميق الثقافة الأجنبية الوافدة في حياة الناس، تحت ذرائع مختلفة، مستعرضًا جهود الدول الإمبريالية في عملية إجبار النظم على التطبيع الثقافي، وتعزيز الإغتراب الثقافي لدى الناشئة.
وتناول الفريجات، الصورة كأداة لنشر العولمة-الأمركة، والخوف والتخنيع للعرب والمسلمين، عبر نشر الصور البراقة للحضارة الأمريكية على وجه الخصوص، وتدعيم صورة الأخر المتخلف والفقير المحتاج لليد الأمريكية كي يقوى على العيش بالثقافة الأمريكية التي هي منتهى طموح العالم كما تروج وسائل الإعلام.
وتناول الفريجات كيف عملت الصورة على تأصيل ثقافة الخوف والتخنيع في إضعاف روح المقاومة لدى الشعوب عبر مشاهد إذلال وتكسير النماذج الحية لها، من مثل الرئيس العراقي صدام حسين، والتي عمدت الآلة الإعلامية العام 2006م، لإضهاره بصورةِ الضعف والهوان أمام الجبروت الأمريكي.
وتناول الفريجات خلال مؤلفه الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية، العام 2019م، مجموعة من المفاهيم كثقافة الإقصاءوالخوف والإرهاب والعيب، والتي يرى فيها دورًا أوروبيًا وأمريكيًا بارزًا.
ففي الخوف تعمل الرأسمالية المتوحشة على توظيف كافة الوسائل المادية والمعنوية في سبيل تركيع الشعوب، وفنيها عن أن ترفع رأسها وتطالب بذاتيتها وحريتها أمام الهيمنة الإمبريالية-الإسراأمريكية-، كما وعرض نشاطات إرهابية كانت قد حدثت عندما أجهز الأوروبيين على سكان الولايات المتحدة الأصليين-الهنود الحمر، وثقافة العيب، التي تروجها السلطات في المجتمعات من أجل إحجام الناس عن ممارسة الأعمال المدرة للدخل، وعدم العمل على تحسين الظروف المعاشية للعاملين منهم.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-