أخر الاخبار

المجالس مدارس..أدوار مُجتمعية طواها النسيان

 


خواطر بلال-المحرر

يمثل الشيوخ، في المُجتمع الأردني، والمنحدر من المجتمعات ذات التكوين العشائري الصلب، ورغم التغيرات التي حدثت في أعقاب دخول المجتمع مرحلة العولمة، والحريات الشخصية، محطّ تقديرٍ وإحترام، يعكس الإرث الذي تمتاز فيه الثقافة الشعبية الأردنية، مُذ عهود مُغرقة في القدم.

وعلّ التعاليم الإسلامية الحنيفة، والتي تعلي فيها النصوص من مكانة الشيوخ، وتحثُ لسماع آراءهم والأخذ من حكمتهم التي تشربوها، بحكم المخاض الذي خاضوه على مداد سنيِّ حياتهم المديدة، من العوامل التي تُعزز حضور أولئك الشيوخ في المشهدين الثقافي والحياتي المجتمعي في الأردن.

وإلى جانب ذلك، تعمل ثقافة البادية، والتي ينحدر منها معظم الأرادنة، على تجسيد الشيوخ دور الحُكماء على المستوى العائلي، والقروي، والعشائري على وجه الخصوص، في حين تُعد أقوالهم وأفعالهم عند البعض دروسًا وحكمًا تُستلهم في مواجهة الظروف الحرجة، والتي قد يواجهها الأبناء في معترك حياتهم.

ومع تحول المعرفة، إلى مصادر مؤسسية ممثلة بالمدارس والجامعات، ومصادر حداثية، على رأسها الإنترنت وتقنياته المتشعبة، لا زال البعض من الأرادنة، يذكرون بمزيد من  الإعتزاز، ذاك العهد الذي كانت فيه "المجالس مدارس"، وفق المثل الدارج.

وفي مجتمع القرية، والبادية، كانت القهوة والمضافة على حدٍ سواء مؤسستين لا ينحسر دورهما في المشهد الترفيهي والاجتماعي، بقدر ما يمتد تأثيرهما في وقتٍ سابق على المشهد الثقافي، فكانت القهوة في البلدة والحي المدني-المستجد إبان أواسط القرن الفائت، والمضافة عند البدو، بمثابة المركز الثقافي والمنبر الإعلامي الذي تنتشر منه الأخبار والمواعظ، وتعالج فيه أعقد القضايا.

وعلّ المكانة التي كان يكتسبها الكبّار، تراجعت مؤخرًا لحساب تقدم فواعل أخرى بالنسبة للمجتع، على رأسها رجال الدولة وحملة الشهادات العلمية، إلى جانب مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، مما أفقد المجالس دورها.

في حين مثلت قيم المجتمع، والتي تعلي من مكانة الرأي والحكمة وشأنهما، العنصر الأساس في الإعلاء من دور الشيوخ، وهم من تختزل فيهم الخبرة وسداد الرأي، بحكم طول العهد بالتجارب الحياتيّة.

وكانت المجالس، في عهود سالفة، المكان الذي تصنع فيه المكانة بيّن الناس، وترفع من ذكر الإنسان بيّن الأنام، في حين باتت اليوم لغوًا لا فائدة ترجى منه، خلا مضيعة الوقت، وتقطيع أواصر الملل، عند شرائح معينة، وحتى هذه باتت تنسحب بساطها ليستحوذ عليها الموبايل، بما حواه من تطبيقات مختلفة.

وليس أردنيا، بل تشاركت معها العديد من البلدان العربية، ذات الطابع العشائري-البدوي، في كون المجالس مدارس، يتعلم فيها الناشئة أساليب الحياة، والعيش في ثنايا المجتمع، واكتساب الأداءات المنتظرة منهم، ممثلة بالسلوك والأخلاق والقيم، وعلى رأسها قيم الكرم والضيافة والعونة، والإثار والعطاء، وهي قيّم البادية، بها يتمايز بني البشر في هذه البيئة الصعبة، ويتبارون وتهفو نفوسهم للتمايز فيها.

وكانت المجالس بذلك تؤدي وظائف مجتمعية جليلة، في وقتٍ كانت المدارس ومؤسسات الدولة غائبة عن المشهدين الثقافي والاجتماعي بيّن الناس، والذين آلفو دولة العشيرة ومؤسساتها، التي كان الديوان فيها يمثل القلب والشريان المغذي لكافة أبناء القبيلة بالقيم والتشريعات الحياتية، قبل ظهور الدولة الحديثة.

ولعبت المرويات الشفاهية في حقبة "المجالس مدارس"، دورًا تعليميًا وترفيهيا، فكانت دواوين العشيرة، مصنعًا للرجال، تصنهر في بوتقتها القيم والأخلاق والعادات والتقاليد المسلكية، وتنبتُ فيها الشخصيات الوازنة والمؤثرة في معترك حياة القبيلة والمجتمع.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-