يُعد الإستشراق، حركة فلسفية أسست في بريطانيا بقصد فهم
ثقافات وأديان الشرق، إبان إستعمار بريطانيا للهندي منتصف القرن 18م، وتوسعت في
رحاب الدول الإستعمارية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ثم ظهرت في أروقة الجامعات
والمعاهد العلمية، لتشمل الشرق الأدنى والأقصى والأوسط، بما فيها البلدان العربية.
وساهمت حركة الإستشراق في إكتشاف اللغة السنسكريتية
الهندية، ورغم أن الحركة كانت بغرض خدمة الإستعمار، إلا أن المستشرقين حدوا من
رغبة بريطانيا في تحويل الهند إلى بلاد مسيحية.
وتقسم حركة الإستشراق إلى مراحل عديدة وفق الدكتور
المبروك المنصوري في كتاب الدراسات الدينية المعاصرة من المركزية العربية إلى
النسبية الثقافية: الاستشراق، القرآن، الهوية والقيم الدينية.
وتشمل الاستشراق الإستعماري وتمتد حتى العام 1960م، وما
بعد الإستعماري حتى نهاية القرن الفائت، والاستشراق الجديد والذي بدأ مع طلوع
القرن 21م.
وحتى أن
المستشرقين الأوروبيين المسيحيين تأثروا بالعداء التاريخي بيّن الصليبية والإسلام،
وميزو تبعاً لذلك في العلاقة مع الأمم الكاتبة كالمسلمين وغير الكاتبة كالصينية
والهندية، وتأثر بذلك كارل ماركس وجيمس ميل.
وعرفت الحركة على أنها علم دراسة وتحليل الشرق، وتمكن
توماس هربرت من دراسة إيران في القرنين 17 و18 م، وتخصصت الحركة الإستشراقية، في التاري
والاقتصاد والجغرافيا واللغة والأداب والفن والدين والفلسفة والآثار والإنسان،
وتمثلت الاقسام في دراسة المصريين والأشوريين والإيرانيين والأتراك والعرب
والصينيين والهنود واليابانيين والساميين والسومريين والإفريقيين.
وتميزت المدرسة الفرنسية، في أنها ملكت نظرة شمولية
لكافة مناحي الحياة في الأندلس والمغرب العربي، حيثُ كان التلاقح الحضاري قائماً
منذ القرن 12م في مجالات الطب والتيأنشئت لها الجالية المغربية مدرسة في فرنسا
العام 1220م، وتناولت اللغة العربية إلى جانب التراث التركي والفارسي-الإيراني.
وألقت إيطاليا عنايتها بالدراسات العربية والإسلامية،
وجمع المخطوطات النادرة، لتحقيق أغراض دينية وأخرى تجارية وسياسية، وتعود للعام
1076م، عندما بدأت الجامعات بدراسة الإسلام، ومثل كل من توما الأكويني وجيرارد ودا
كريمونا من أوائل المهتمين في الدراسات العربية والإسلامية.
وتحدث الدكتور قاسم السامرائي، في مؤلف الاستشراق بين
الموضوعية والافتعالية، عن الحركة الهولندية في الاستشراق، وبرز من روادها مؤسسة
بريل والذي أسسها إربنيوس وسنوك هوجرونيه
الذي ادعى الإسلام فهاجر إلى مكة ثم إلى اندونيسيا.
أما روسيا فقد كانت الحركة تمتد إلى عهد الدولة
العباسية، نظرا لقربها من المنطقة العربية، ومن أبرز المستشرقين الروس، بلوندين
ولومونوسوف وأغناطيوس كراتشكوفسكي، وتميزت المدرسة بالعناية في الأدب العربي،
والتذبذب بيّن الموضوعية والعداء، الاستعانة بسكان آسيا الوسطى في الحركة، وبث
القيم الاشتراكية وعدم العناية بالدين، إلى جانب الاهتمام بتصنيف المخطوطات.