أخر الاخبار

التفكك الأسري..عوامل ومثيرات



كتب:بلال الذنيبات

إجتماعياً، ترتبط عناصر البناء الإجتماعي، والأسرة بعلاقات متبادلة تنعكس على مستوى ترابط بناء الأسرة، ذاك أن الإقتصاد والتقنية والعلم والثقافة وغيرها من الأبنية المكونة للمجتمع تنعكس مفاعيلها في الحياة الأسرية، فتسهم بتعزيز أو الحؤول دون إنجاز التماسك الأسري، كمستهدف لبناء الأسرة في أي مجتمع بشري كان.

"التقنية..الإتصال الإجتماعي: أداة حدية"

ساهمت تقنية التواصل الإجتماعي، ممثلة بمواقع التواصل الإجتماعي، في إحداث تغييرات وهزات في بنية الأسرة الأردنية التقليدية خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى ظهور مشاكل أسرية جديدة، وخاصة فيما يتعلق بالبون الشاسع في ثقافة وتوقعات الآباء والأجداد من جهة، والأبناء من جهةٍ أخرى، إزاء السلوكات والأفاعيل التي يختارها الأبناء لتحديد مسارات حياتهم المتاحة.

وفي مجتمع متحول من الثقافة العربية الإسلامية إلى الثقافة الغربية الوافدة، ممثلة بثقافة الماكدونالز الهشة والسطحية، والتي تعتمد المادة وسطحية المعرفة في الحياة اليومية، تعيش الأسرة عوامل ضاغطة أودت لتراجع حدة التماسك الأسري داخل الأسر في المجتمع، مما ترك حالة من فقدان الدفء العائلي، وأبرز على السطح العنف في إطار الأسرة.

وعزز المحتوى المتاح عبر تطبيقات التواصل الإجتماعي الشعبية وغير الشعبية منها، والمواقع المشبوهة المتاحة عبر تقنية تخطي الحجب، كلها والتي هي متاحة مع أبنائنا وهم من جيل النت ديجتال، تُغذيهم بوجبات دسمة وسريعة من الثقافات الوافدة غير المتوافقة مع ثقافتنا الأردنية الأصيلة، وأخلاقنا ومألوفاتنا الشعبية الوازنة، حالنا، حال المجتمعات العربية المختلفة، والتي باتت تواجه منذ زمن مبدأ الصراع بين قيم العولمة والنت ديجتال المسيطر عليها من قبل مراكز صنع الثقافات في البلدان المصنعة والمنتجة للتقنيات والأفلام الهوليودية، والمؤثرة على عقول شبابنا حديث النشأة والساعي لتحديد مكانته في هذا العالم متسارع التطور ثقافيا.

"المخدرات..الخطر الذي دمر الأسر"

ومع تصاعد وتيرة تجارة المخدرات، نتيجة الصراعات الإقليمية مكونة بيئة مواتية  للإتجار بالمخدرات، ونتيجة جائحة كورونا التي خلقت واقعاً جديداً غير مألوف للناس ما بين العامين 2020-2021، تنامت في الأردن معدلات تعاطي المخدرات والإتجار فيها، وفق أرقام دائرة مكافحة المخدرات التابعة لمديرية الأمن العام، وهي تقوم بواجب مكافحة مقدر، حسب التقرير الإحصائي الجنائي للعام 2021.

ولكن وفي إطار حديثنا عن الأسرة، أظهرت وسائل الإعلام حوادث عنف أسري حاد، وصل إلى حد القتل وبطرق بشعة ومن كلا الجنسين، هذه الحالات إرتبط بعضها بتعاطي المخدرات، والتي بدورها تاتي نتيجة الفراغ وفقدان الثقة بالغد، وغياب الطموح لدى الشّباب، ومعظمها نتيجة المحاكاة-التقليد، والرفقة السيئة.

فالخصائص التي يمتاز بها الشّباب، ووفق علم النفس النمائي، تتحدد بالرغبة في التجربة والإختبار، والتقليد، فالرفقة ومواقع التواصل الإجتماعي، والمعلومات المفتوحة عن المخدرات عبر الإنترنت، جميعها تقود الشّباب صوب التعاطي، الذي بدوره يجعلهم عدوانيين تجاه أسرهم وذواتهم.

"صراع الأجيال..تنامي الصراع بعد الألفية"

حتى وقتٍ قريب، كان الصراع ناعماً بين الجيل الأبوي والإبني، قبل أن تقود ثورة الإنفتاح السيبراني ما بعد 2011 ومدفوعاً بثورة الفضاء السيبراني الثانية 2020، تنامت الفروق الفكرية والإتجاهات والطموحات بين الأباء والأبناء.

وحتى أولئك الأباء ممن ولدوا في أواخر الألفية الفائتة، فأن حجم التغيرات السريعة باتت أكبر من قدرتهم على الهضم والتأقلم مع تسارع الثقافة الوافدة والتي باتت لا تهدد فحسب، بل وأقصت وشوهت أجزاءً من الهوية الثقافية للشّباب الأردني ممن ولدوا في كنف الثورة السيبرانية ما بعد 2011، ويهدد مستقبل الأجيال القادمة.

وعملت الظروف الثقافية المتغيرة بشكل متسارع، على توسيع الشرخ بين توقعات ومطاليب الآباء والأجداد من الأبناء، وإتجاهات وأفكار الأبناء من جانب أخر، مدفوعة بالتقليد وحب المغامرة والإكتشاف كمكونين نفس نمائيين لدى الأبناء. 

"التداعيات..ماذا بعد؟"

كل تلك العوامل والمؤثرات، خلقت للأسرة الأردنية، واقعاً جديداً عزز من فقدان التماسك الأسري، وخلق حالة من اللادفء بين ابناء الأسرة الواحدة من جهة والوالدين من جهةٍ أخرى.

وساهمت تلك العوامل في ظهور الجريمة داخل الأسرة، وغياب التفاعل بين أبناء الأسرة، مما يتطلب من الوالدين التفكير جدياً بتلك العوامل كمهددات والسعي لمواجهتها بعقلانية للمحافظة ما أمكن على البناء الأسري.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-